مطالب حراك الريف تتجذر وتخرج من المحلي إلى الوطني،فهل كان لا بد من «نغزة» في الجسد الحكومي( الذي وُلد بمنطق التراضي لا الاستحقاق الديمقراطي) لكي يقفز ويطير عن بكرة أبيه إلى مدينة الحسيمة؟
كتب محمد أسامة الفتاوي،
إن شعارات الحراك ومطالبه العامة تدور كلها حول قضية احترام كرامة أهل الريف وحقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن الحراك يطالب بنهاية الفساد والاستبداد تماما كما فعلت منذ سنوات حركة عشرين فبراير بل إن قياديي الاحتجاج قد دعوا منذ أيام إلى «مليونية» يوم عشرين يوليو المقبل في إشارة لا تخفى على أحد إلى تعلقهم الوجداني وعلاقتهم السياسية بالحراك الديمقراطي لعام 2011. زيادة على هذا فإن ناصر الزفزافي الزعيم الأكثر شعبية للاحتجاج كان قد شارك في حركة عشرين فبراير كما أنه يضع على رأس المطالب، بعد التحقيق الشامل في مقتل محسن فكري، الكشف عن من تسبب في مقتل خمسة شبان وجدوا جثثا هامدة داخل وكالة للبنك الشعبي بالحسيمة وذلك بعد أولى مظاهرات عشرين فبراير سنة 2011 في المدينة. أما النظام عموما والائتلاف الحكومي على الخصوص فيحاول نشر مقولة ان الحراك تتحكم فيه أيادي خفية انفصالية وأجنبية وأن تمويله يأتي من الخارج. كما أرسلت الرباط تعزيزات أمنية ضخمة تتمثل في الدرك الحربي والقوات المساعدة وقوى الأمن الوطني إلى مناطق الاحتجاج وذلك للضغط النفسي والسياسي على مسؤوليي الحراك. إن محاولة عزلهم سياسيا بالتشهير والتشكيك في دوافع ونوايا نشطاء الاحتجاج، رافقتها مبادرات ترمي إلى عزلهم إعلاميا وذلك بتجاهلهم من لدن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وكذلك بالتضييق على تواجدهم في الشبكات الاجتماعية، وهكذا فإن استجواب رمز الحراك ناصر الزفزافي مع موقع اعلامي والذي سجل ارقاما قياسية في المتابعة والمشاركة قد تعرض لهجوم إلكتروني من قبل قراصنة مجهولين ينسقون فيما بينهم بشكل جيد، مما أدى إلى حجب المادة على صفحات الفيسبوك.
ما نريد قوله هنا هو أن الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد بسبب تداعيات البلوكاج ثم ما يمكن أن نسميه بشبه القطيعة بين القصر وبنكيران ساهمت في تأجيج الأوضاع بالشمال رغم الاستقلال التنظيمي التام للجنة القائدة للحراك عن كل الأحزاب ورغم أن الشرارة الأولى كانت لأسباب محلية بحتة.
ونلاحظ إن السلطة تكتفي بالتفاوض مع المنتخبين المحليين وبعض أطراف المجتمع المدني والسياسي، محاولة تهميش زعماء الحراك الشعبيين الذين يتحكمون بقوة في الميدان.
إن ضعف تمثيلية المنتخبين تتجلى في ضعف نسبة المشاركة في اقتراعي 2015 و2016 كما أن حزب الأصالة والمعاصرة والذي يقود الجهة يبدو عاجزا تماما عن التأثير في الأوضاع رغم أن أهم مسؤوليه ينتمون لمنطقة الشمال. بل إن أمينه العام يترأس المجلس الجهوي لطنجة-تطوان- الحسيمة. هذا بالإضافة إلى أن العدالة والتنمية وهو الحزب الأكثر مشروعية على المستوى الانتخابي الوطني يعيش في ما يشبه الشلل السياسي منذ إعفاء أمينه العام عبد الإله بنكيران مع ما ترتب عن ذلك من غضب في قواعده. فأمينه العام الذي كان قد طلب في بداية الحراك من المتعاطفين مع حزبه عدم المشاركة في احتجاجات الشمال قد توقف عن فعل ذلك منذئذ. والفرق هو أنه كان آنذاك قد عين لتوه من لدن جلالة الملك رئيسا معينا للحكومة ولم يكن المغرب قد دخل بعد أزمة ما سمي بالبلوكاج.
السؤال :
هل كان لا بد من «نغزة» في الجسد الحكومي المغربي لكي يقفز ويطير عن بكرة أبيه إلى مدينة الحسيمة؟
أكان ضروريا «للحكومة العثمانية» (التي وُلدت بمنطق التراضي لا الاستحقاق الديمقراطي) أن تستحضر المَثل المغربي الذي يُفيد أنه لا بد من دقّ حبات الكمون وحكّها لكي تفوح رائحتها؟
تعليقات 0