جريدة نبأ نيوز

الزواج الناجح والطلاق الناجح -بقلم محمد أسامة الفتاوي –

عزيزي القارئ.. لا تتعجب أن يكون هناك طلاق ناجح.. فالطلاق مثل الزواج له اعتبارات وضوابط شرعية واجتماعية وإن تم الأخذ بها كان ناجحا في طريقته وآثاره.

الطلاق هو في الغالب نهاية حتمية لعلاقة زوجية اتسمت خلال مسيرتها بكثرة الخلافات والهزات التي استحال معها استمرار العيش المشترك في بيت الزوجية. ورغم كراهية الطلاق على جميع المستويات إلا أنه في بعض الحالات يكون مخرجا مهما ووحيدا لحياة ارتسمت في ملامحها معاني اليأس والإحباط. فحين يصعب الحوار والالتقاء والتقدير والمودة والاحترام تكون الحياة بمثابة رحلة من المتاعب لكل أفرادها بما في ذلك الأبناء.

وبما أن الواقع يؤكد علمياً أن نسبة الطلاق تجاوزت في بعض المجتمعات الــ 40% كان لزاماً على المختصين والمهتمين وضع استراتيجيات لإدارة الحياة لما بعد الانفصال وذلك لتقليص حجم المعاناة خاصة على الأبناء.

ومن رؤيتي كباحث وكاتب في علم الإجتماع وبالأخص الحياة الزوجية ،أرى أن الطلاق مثله مثل الزواج من حيث ضرورة التمهيد له وحسن التخطيط وهو قرار في بعض الأحيان قائم على الاتفاق والتراضي ولكنه في أحيان كثيرة قائم على الفرض و الإلزام، وذلك في حالة إصرار طرف ورغبته دون الطرف الآخر.

إن وقوع الطلاق بحد ذاته قد لا يكون ضررا ولكن يحدث الضرر النفسي والاجتماعي البالغ عندما يتم الطلاق بصورة عنيفة مندفعة وانفعالية متشنجة، ويشتد الضرر عندما يصر الطرفان أو أحدهما على ملاحقة الآخر بالشتم و الضرب والتشهير والانتقاص والتحقير والتقليل من شأنه.

إن الطلاق مرحلة يصل إليها شخصان ينقصهما الاستعداد للعيش سويا. وقد يكون عدم الاستعداد هو نتيجة لخلل في المشاعر أو تنافر في الطباع أو شدة المشاكل وتكراراها وتصاعد الخلاف لدرجات يصعب معها الحوار والاتفاق، إذا في النهاية.. الطلاق هو قرار حتمي لبعض العلاقات. وتلك حقيقة يجب على أطراف العلاقة استيعابها.

إن الطلاق الناجح يعتمد على التخطيط الناضج لمستقبل الأبناء الذين سيتحملون جزءا كبيرا من تبعات القرار.

الطلاق الناجح هو نتيجة مفترضة لعدد من المقدمات والعوامل، منها الاقتناع المشترك بقرار الطلاق و التفاهم المسبق على آليات التعامل مع الأبناء وعدم الاسترسال في الحديث عن عيوب الطرف الآخر والتركيز عليها و التكيف مع أسرة الطرف الآخر لتحقيق الجو الأسري للأطفال والحرص على جو من الأمان لتسهيل عملية التواصل والاتصال.

ويصبح الطلاق ناجحاً إن تم استدراك إيجابياته والعمل على تغيير نمطية الحياة. وعدم الاسترسال في الألم أو الاستسلام لمشاعر الندم ولوم الذات والشعور بخيبة الأمل، إن التغيير في أي مجال من الحياة وأياً كان شكله وهدفه قد يكون مقلقاً لحد ما. وعندما يكون هذا التغيير مرتبطا بشكل اجتماعي وأدوار حياتية قد تكون غير محببة للذات في بدايته فلا شك أن القلق سيكون بدرجة أعلى وبصورة أعمق وأكثر تأثيراً.

إن دور الأم والأب هو دور مكثف. فإضافة إلى تحمل القرار وتبعاته والآثار النفسية الذاتية لكل طرف والتي تعكس شخصيته فإن على الوالدين ضرورة الظهور أمام الأبناء بالتوازن وتجهيز البيئة الجديدة بما يتناسب مع شخصية الأطفال ومراعاة المرحلة الانتقالية للأبناء وترتيب أمورهم المدرسية. وتنشيط حياتهم الاجتماعية بما يحقق لهم التكيف الإيجابي.

الطلاق مسؤولية عظيمة يترتب عليها حياة مختلفة وجديدة. لذلك الناضج من يخرج من دائرة ألمها إلى فضاء حسن إدارتها والتعامل معها وذلك عن طريق تقبل الحياة الجديدة و تفهم متطلبات التغيير و تقبل الألم الناتج في بدايته مع عدم الاسترسال به والتعايش مع الدور الجديد و الالتزام بالواجبات و احترام حقوق الطرف الآخر والحديث عن الطرف الآخر في حدود الاحترام خاصة أمام الأبناء والأهل.

إن إنهاء الحياة الزوجية بهدوء وتراضي يعكس شخصيات ناضجة عاقلة. استوعبت مشكلة الطلاق واعتبرتها جزء من حياتها وليس كل حياتها. وبالتالي فإن التعامل معها يقتضي القدرة على ضبط النفس وإدارة الانفعالات من خلال استخلاص المزايا والنواحي الإيجابية في عملية الطلاق.

ومن خلال إدراك الدور المؤثر للآباء على الأبناء في هذه المرحلة تتجلى أهمية التهيئة المتزنة والآمنة للأبناء ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي وإيجابي. ويتم ذلك من خلال إعداد الأبناء لخوض الحياة الجديدة ليس على أنها أزمة وكارثة علينا البكاء عليها. وإنما على أنها شكل جديد للحياة واختلافات علينا التعايش معها وتقبلها.
بقلمي
محمد أسامة الفتاوي