جريدة نبأ نيوز

كورونا غاية تأديبية تتمثل في دفع الناس إلى الرجوع إلى الطريق الصحيح

بقلم أسامة الفتاوي

يقول كثير من الناس إنه لا داعي لإقحام الدين في تفسير الظواهر الطبيعية، وإنه يجب فهم هذه الظواهر ضمن القوانين المادية.

أتفق مع جزء من هذا القول وأختلف مع جزء آخر منه.. أتفق مع أننا نحتاج العقل الفاعل الذي يفكك الظواهر الطبيعية ويكتشف قوانينها ويبدع الحلول للمشكلات التي تواجهه في إطار هذه القوانين بعيداً عن الاتكال القدري والكسل المعرفي والعجز العملي، لكني أختلف مع الدعوة إلى تحييد الدين كليةً من فهم ظواهر الحياة، إذ إن هذه الدعوة تتناقض مع طبيعة الدين الذي يقدم رؤيةً شاملةً للحياة. فالقرآن يقدم إطاراً تفسيرياً للظواهر الكونية والمصائب الطبيعية والأحداث التاريخية، والقول إنه يجب عدم إقحام الدين هو تعطيل لفاعلية جزء حيوي من مساحة الدين.

المشكلة ليست في تقديم تفسير ديني للأحداث الطبيعية، فالمؤمن لا ينفصل عن مرجعيته الغيبية في تفاعله مع الحياة وفهم أحداثها، إنما المشكلة في خلق تناقض متوهم بين التفسير الديني والتفسير الطبيعي للأحداث. فالدين يوقظ بصائرنا تجاه البعد الروحي لهذه الحياة، ليس بقصد تعطيل البعد المادي، بل بقصد الإضافة والإثراء له وإعطاء المعنى الأخلاقي الغائي التوحيدي لأحداث الحياة المتفرقة.

بكلمات أخرى: فإن المؤمن لا يسعه إلا أن يؤمن بأن لله تعالى علماً وحكمةً وتدبيراً في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون، لكن فعل الله ليس منفصلاً عن قوانين الطبيعة، لأن الله تعالى لا يكلم البشر كفاحاً، إنما يكلمهم عبر السنن “القوانين” التي أودعها في ثنايا الوجود. فقوانين الطبيعة هي كلمات الله إلى عباده: “وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ”، وبهذه المقاربة فإننا نصل ما أمر الله به أن يوصل ونجسر القطيعة بين الدين والعلم.

إن كثيراً من الذين يرفضون تدخل الدين في تفسير ظواهر الطبيعة يلجأون إلى عقلنة الطبيعة لنسبة الأحداث إليها فيقولون مثلاً: “غضب الطبيعة، انتقام الطبيعة، عدالة الطبيعة…”. إذاً ما الذي يمنع أن يكون “الله” هو المعادل الموضوعي لكلمة “الطبيعة” مع إضافة معاني الحكمة والعلم والإحاطة والرحمة إليها؟ ما الذي سيبقى حينها من فرق جوهري بين النظرة المادية والنظرة الروحية للحياة؟

حين نقول إن الله يعاقب بالأمراض أو الحرائق أو الحرب والخوف أو الفقر والانهيار الاقتصادي، فإننا نقصد أن نقول إن الله يعاقب على الإفساد والإسراف والظلم والجهل، وهو جوهر ما يقوله الماديون من أن للإفساد والإسراف والظلم والجهل عقوبات طبيعيةً، غير أننا نربح البعد الإيماني وما يضيفه إلى الحياة المادية من طمأنينة وشعور بالمعنى والغاية، ويورثه من مسؤولية أخلاقية ورقابة ذاتية.

هذا لمن فقه الدين ووضع الإيمان في سياقه الصحيح، أما الذين يبنون تدينهم على الأمنيات والظنون والجهل والكسل الفكري فهم حجة على أنفسهم.