جريدة نبأ نيوز

سيُكتَب الكثير عن عبد الالاه بنكيران، السياسي والمناضل و “القلم الأحمر “ليبقى العلامة الفارقة في زمن نفتقد فيه هذا النموذج الراقي لدى كثر من أفراد الطبقة السياسية إنه” الرجل الذي لا يحتاج الى لقب” .

بقلم محمد أسامة الفتاوي ،
اليوم وبعد استقالته من البرلمان ،إكتمل القمر ،
سيُكتَب الكثير عن عبد الالاه بنكيران، السياسي والمناضل و القلم الأحمر، وعن تاريخ ولادته ونشأته وعمله وكلماته واللقاءات التي أنشأها وشارك فيها. وسيُكتَب عن هذا الغياب في أسبوع الآلام، لكن بكبر وبرأس مرفوع وكرامة لم تقلل منها أيام الوهن، كما كان يردد في الايام الماضية ، الذي فقد رفيقه الدائم، كما تفقده زوجته وعائلته الصغيرة، وأصدقاؤه والحلقة المقربة منه والأبعد هذا التقاطع والتفسير المتبادل بين الحقلين السياسي والشخصي في سيرة أول رئيس لحكومة دستور محمد السادس، يعتبر إحدى أبرز خصائص شخصية ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدى سنوات مضت ،
لكن غياب عبد الإلاه بنكيران الإنسان، قبل السياسي ومعه وبعده، يبقى العلامة الفارقة في زمن نفتقد فيه هذا النموذج الراقي لدى كثر من أفراد الطبقة السياسية.
حالة كاملة اسمها عبد الإلاه بنكيران، غابت عنا أمس. حالة دائمة وحاضرة في كل اللقاءات التي شهدنا عليها منذ زمن قريب في تاريخنا الحديث، كما شهدتها شخصيات سياسية عدة منذ أن بدأ الشاب عبظ الالاه بنكيران يمارس السياسة بهوس وشغف.
حالة عبد الالاه بنكيران الخاصة لا يمكن أن تُفصَل السياسة فيها عن الرجل المثقف، صاحب النكتة، التقليدي وابن البيت السياسي، والغارق حتى العظم في الكتب والقراءة والصحف والمتابعة اليومية، فلا تفوته شاردة أو واردة إلا يعلم بها، ويلفت إليها نظر من لا يتابع ولا يقرأ، وهم أصبحوا كثراً. أهميته أنه يعرف تاريخ المغرب جيداً، ويعرف حاضره، وشخصياته وصحافييه ومثقفيه وفنانيه وطبقاته الاجتماعية والسياسية. لا يفوته حدث محلي أو خارجي، ولا ينسى أن يعيد استذكار حدث أو نقاش ما، وهو كان شاهداً حقيقياً على محطات أساسية فيه، وجعلته على صداقة وطيدة مع كثيرين .
ليس تنوع عبد الالاه بنكيران ،وغناه الثقافي فقط هو الذي جذب إليه مجموعة من السياسيين والأصدقاء والصحافيين، ممن يفتقدونه ،والذين كانوا يدخلون مكتبه أو منزله ، أو في مقر الأمانة العامة أو على طاولة مقهى أو مطعم، وفي صبحيات لا تنتهي، مجبولة بالنقاشات وبالحوارات وباستعادة تواريخ وحوادث كان مشاركاً في صناعتها. هناك سر ما في هذا الرجل الذي لا يملّ ولا يتعب، ولو كان عمره قريبا من السبعينات، كان يعيد الجميع إلى النقاش والحوار والمتعة في استحضار الماضي، وهو لا تفارقه النكتة قبل أن يمتنع عنها ويعود إليها ويقاطعها مجدداً، تحت ضغط المقربين منه، قبل أن يخطفها من أحد زواره. ضحكته الطريفة وسخريته اللاذعة وعصبيته الحادة، جعلته يجمع مختلف شرائح السياسيين والصحافيين والأصدقاء، يروي لهم الكثير مما خبر وعاش وعرف، ويحلل معهم معطيات عن الحاضر واستشراف المستقبل، ولا يرفض فكرة لقاء أو اجتماع إن كان يرى فيه منحىً إيجابياً.
غياب عبد الإلاه بنكيران عن المسرح السياسي يوم صعد إليه من لا يعرف تاريخ المغرب ولا يقرأ في كتب التاريخ والجغرافيا والسياسة المحلية والدولية، وغيابه في زمن انحدار المستوى الثقافي والسياسي، غياب مزدوج للإنسان والسياسي بمعناه الحقيقي. بالأمس غاب ذلك النبيل، ليعود إلى بيته وحريته ومساحته الخاصة في جملة واحدة عودته الى” الرجل الذي لا يحتاج الى لقب “.