جريدة نبأ نيوز

الهجر الملاك المتجسد في صورة إمرأة

بقلمي المتواضع -أسامة الفتاوي

ترامى على مسامعي، أن الفاتنة المهجورة في قالب سماوي غير بشري، ستطل على جميع طالبيها من الرجال، وصادفت الساعة التي اضمحلت مقاصدي في الوحدة وليس أمامي من ميناء ينطلق إليه شراعي المثقل بالهموم، والساعة التي مللت نفسي عقلانيتي المفرطة نحو الاقبال على النساء، وتهيئة ظروف الحياة حولهن أفضل ما تتمنى وأريد لها. 
ذهبت ورغبتي تنازعني في هجر تلك البقعة التي أعيش فيها لشدة قسوتها على نفسي، كأنني كنت أريد أن تشعر حاجتي الذكورية إلى الحرارة النسائية التي لا يكل منها ولا يمل محب.
كنت من طالبيها المترددين، وترجلت كما يترجل من يقتحمون الحياة باحتراس شديد؛ لأن الخطأ في أعينهم صداع قاتل، ولا يوجد صداع أبشع من تقترن بالشخص غير الملائم مجددا، كنت كعصفور وحيد أتخمه رونق بناء عشه ويخشى أن تستبد الرياح بمجامع زينته وقانون نفسه وحريتها المنفردة. 
وهمست نفسي: إن الاقتران بمثل هذه المرأة هبه ربانية، كما الأحلام الكبرى التي تمنح للإنسان مرة واحدة في لحظة واحدة. تلك هي الأمنية التي تدفعني إلى الجنوح بعيدا عن الماضي وآلامه، كما يجنح الغرقان إلى طوق نجاة والتعلق بقشة تطفو على سطح الماء. كانت مستوحدة مثلي، ولا تتوقف عند كل متطفل، فهي تسعى لاقتناء الأشياء النادرة، لتنسجم مفردات مجموعاتها الإنسانية النادرة، التى لا تعرف النسخ والتقليد. كان يعيش في الوحدة كمن يسبح في البحر بمفرده بلا خبرة أو إنقاذ، ويردد: إنني ما طلبت الوحدة إلا لاستغراقي في همي ألا وهو البحث عن الحب، والوحيد بلا حب، ما هو إلا كائن مشوش لا يمت إلى الإنسان الحقيقي بصلة. كم تروقني هذه النوعية من النساء، والتي تنسج من حولها الأقاويل والحكايات والمأثورات، عن كونها “الملاك المتجسد في صورة إمرأة”. 
كما إنه خير لي أن أعشق الحب في صورة هذه المرأة من ألا أعشقه أبدا. إنني أعشق من لا غاية لهم في الحياة إلا أن يجود بروحه لأهله والناس أجمعين، فلا يطلب جزاء ولا شكورا، فهو يهب دائما ويسعى في الاستبقاء على ذاته بلا تلوث أو صراع. هيأت نفسي للمنافسة، لكنني ترددت ثانية وأعجزني الأمر، لتفكيري أن تسألني شيئا يشق جوابه علي، إلى أن وصلت متأخرا واختارت الفاتنة من طالبيها ما اختارت، فحزنت وانبثقت حقيقة جديدة في أفق نفسي ما بين لحظتين، وفهمت أن الحياة تهبنا الأشياء التي نريدها بعزيمة واصرار أو التي لا تخطر على بالنا أبدا ولا نفكر فيها على الاطلاق لتكون صدفة حياتنا الحلوة. ومضيت وأنا لا أتذكر إلا شعرها، الذى كان يتموج طبيعيا تحت نور القمر، وهي تطل على طالبيها من شرفتها السماوية وبجوارها من اختارت وكان دونها بمراحل، وتعجبت من أن  جعلته يتجاسر على الاستحواذ على جسدها وكان لا يستطيع أن ينال منها موطئ نعلها سلفا، آه.. كيف ينسجم السماوي مع البشري؟! وفي لحظة أمل هزمت ملايين ساعات اليأس بداخلي، رددت نفسي: إن ما أريده هو أن أعيش كما أشتهي وأريد وإلا فخير لي ألا أعيش أبدا. وصممت أن أفتح لنفسي نوافذ جديدة تبهج وحدتي وينساب منها الهواء العليل الذي يروي قلبي بحب لا ينقطع، ويتسلل منها فراشات أسطورية تبهج ما تبقى لي من حياة.
 وفجأة ظلت نفسي تستفسر عن أمور كثيرة لا أجد لها جوابا، وظلت هذه الأفكار تمر في خاطري ولا أستطيع أن أفسرها أو أن أعبر عنها، فتأكدت أن أمري قضي، وأن الحياة تراجعت عني وتولت، وتوارى شبابي مع منتصف اليوم أو أي يوم، ومضى المساء وأقبل الليل وأوشك على الانتهاء، ولا بد أن أرضى بنصيبي واكتفي بحكمة الطيور في حريتها. ومن دون أن ألاحق نفسي ببغضائي، وليس على شفتيي للاشمئزاز أثر،

لكن هل من سعادة ترتجى بين من دفنوا أنفسهم وتنسكوا؟! وهتفت، أجل هناك سعادة ترتجى بين من دفنوا أنفسهم لغيرهم وتنسكوا للفكرة المطلقة.