الشارع المغربي أصبح حبيس صورية” سوق الكلام”بوجهيه المعبرين عن الثرثرة والتغليط والتمويه الخطابي وسياق الافهام المنغلقة والمؤسطرة على حد السواء ..

عندما تستلهمك أفكار الإبداع والإرتقاء في عوالم الحياة، فذاك دليل قاطع على امتلاكك زخما معرفيا ساميا، وذوقا فنياً عالياً يستدعي التنقيب في طياته وتحليل تركيباته، التي لا تترك مجالاً للشك الفلسفي والنقد العلمي، بكل ما يجمع في خصوصياته من مساءلات واستفسارات، فالمثقف الذي بات محل سجال فكري على مستوى الساحة الثقافية، مافتئ عمل التمحيص في تأصيلاته ومآلاته ينسحب إلى القصور في الفهم والتأويل فكل إنتاج معرفي مطالب بايضاح منطلقاته وتفريعاته عندما ترتبط الذات الصانعة للمعرفة بعالم الآخر سواء كان هذا المختلف إبن بيئته او غريباً عنه، سواء كان هذا الآخر من اترابه وطينته أم.. لا، وسواء كانت هذه الغيرية وليدة عصره أو قبلية أو بعدية عنه، فالابحار في أغوار الابتكار والاختراع في مجتمع يبحث عن نفسه سيوقع بمدارات الفكرة في مخاض الولادة التي كثيراً ما عانت الإجهاض بسبب انثربولوجيا التراث المادي وطبيعة تعامل الإنسان مع الطبيعة من جهة، أو بدافع سوسيولوجيا الحياة اليومية ودياليكتيك الحقيقة العرفية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي سيثبط مهمة تسيير التناقضات والاختلافات المجتمعية الخامة في الوجود، فطالما طرحنا إشكالات التقدم في راهننا من دون تفكير جدي في علية الأزمات وانطولوجياتها العميقة، سيكون بديل الثراء الثقافي هو العنف بمختلف أشكاله وألوانه، فأي مثقف لأي مجتمع؟ ما دور النخبة اليوم أمام هذا العقم الفكري المدقع بنا؟ هل من حراك ثقافي بديل داخل المؤسسات الحكومية والتنشئوية والتعبئوية لخلق نموذج المشروع المجتمعي المغيب في أحوالنا؟ هل من مخرج جماعي بفكرة التأسيس لمبدأ العمل المبادراتي للانتقال بالثقافة إلى بيئتها الملتزمة والحية في الوجدان الإنساني؟ ما مصير الذوق الفني في ظلال التأزم العلائقي بين الإنسان وذاته وبينه وبين الوجود؟ هل من منفذ للتفكير في حيثيات ما بعد الثنائية الضدية المنتجة للجمود والركود الفكري؟…. الخ.
إن الجدل القائم في المجتمع المحلي المغربي، جعل مهمة الولوج في نقاشات الثقافة والفنون ضرب من التغريد خارج السرب لدى دوائر عديدة من المجتمع نفسه، ناهيك عن كون الثقافة في حد ذاتها ليست من أولويات الإنسان المغربي، فحاجة المرء إلى الإكتفاء ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتطلبات البيولوجية لا غير، مما سهل مهمة التعشعش الطوباوي والخطاب الديماغوجي يلقي بأسلحته لصنع نمذجة يوتوبية في العقل البشري المحلي قابلة للتحجر ومرتبطة بالمعتاد ونابذة للتغيير والتجديد، مما أبقاه خارج التاريخ في الوعي والسلوك، فعندما يتوغل فكر معاداة الوسط الثقافي يضمحل دور المثقف والفنان بسبب اغتيال عالم الإبداع وموت صورة الجميل الحامل لمادة التنوع والتعدد بشتى ألوانه المزركشة، (في ظل غياب ملامح المجتمع الطبيعي في وجودنا لا يمكننا المطالبة بإنتاج مجتمع الفن والثقافة)، فالتقطعات والتشرذمات التي أضحت تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع المغربي كفيلة ببعث عديد الانزلاقات على مستوى الفهم الباطني للفكر والفلسفة المحلية نظرا لتشظي مكونات وأسس الهوية، فالمأزق الذي جعل الفنان كما المثقف لا يرتقي بالشكل اللازم أي (أنه بداعي ابتعاده عن عالم التحليل والنقد الفكري وانه لم يساهم في كتابة فلسفته الاركيولوجية البانية لمرتكزات الفهم والمدققة في سيرورة التنمية الثقافية)، فمنطق التحديث لم يتجاوز ذهنيات التشيؤ إلى إنتاج الحداثة الثقافية المحلية التي تربط عالم التراث العربي الإسلامي بعصرنة الواقع ،فطبيعة الرقي الفكري للمجتمعات له صلة وطيدة بنوعية الموضوعات التي تطرحها في حلبة المناقشة، وكيف لهذه الحوارات أن تاخذ مجرى الاعتراف والتقبل بعيدا عن التشوهات الجانبية التي من شانها أن تضرب استقرار قواعدها، لتجعل من مهمة القفز نحو عالم متغير حالة ملحة أصبح بموجبها يسمو إلى الأيقونة الفكرية.
على مبنى هذا الطرح، زاغ خيار الالمام بحجم التنوع الثقافي وتجسيم العلاقات الإنسانية بكل ما تحتويه من انشغالات وهموم ومشكلات اجتماعية إلى الدخول في غمار الخواء المعرفي الذي تطعمه الطرهات والخزعبلات الطائشة ليسجن من خلالها الانسان المغربي على وجه التحديد ،لأن الفرد المغربي بما فيه المثقف والفنان اصبح حبيس صورية” سوق الكلام”بوجهيه المعبرين عن الثرثرة والتغليط والتمويه الخطابي وسياق الافهام المنغلقة والمؤسطرة على حد السواء… فلا مفر من اندماج البيئة بمختلف تلويناتها بالبشرية)… فذاك هو الواقع المرير عندما يمتزج كرب المعاش مع قلق الخوف من القادم في النفسية المغربية أين تصبح قوة التصدعات ماثلة في طبيعة التواصل الذي يوثق الذهنيات بعضها ببعض. فكيف يمكننا النهوض بالثقافة التي تجعلنا نتعلم فن المجتمع المضفي إلى فن العيش فيه والمساهم في صنع فن الفن؟
بقلم
محمد أسامة الفتاوي .
تعليقات 0