جريدة نبأ نيوز

الخطر القادم :سباق مع الوقت وطبول الحرب تقرع

كتب”اسامة الفتاوي”
في مؤتمر صحفي استثنائي عقده الرئيس الأميركي ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، تتبدى الحقائق المتسربة عن شهور طويلة من التكهنات والتحليلات التي نظمها المحللون والسياسيون في منطقة الشرق الأوسط، فهذه الزيارة المنتظرة التي تبنى على أساسها النظريات السياسية العالمية فيما يسمى السيطرة اليهودية على القرار الأميركي وبالتالي على العالم، تلخصت ببساطة في مؤتمر لرجلين يمينيين غير سهلين، ولا يفكران إلا بالطرق الأطول لحل عقد السياسة العالقة في المنطقة.

حيث خرج الرجلان بوضوح ليعلنان رفضهما لمبدأ حل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، ذلك الحل الذي رفضه العرب إبان عصر الأحلام القومية في عام 1947، وباتوا يتمنونه هم وباقي العالم الآن، حيث وقف نتنياهو ليعلن وهو واقف إلى جوار زعيم العالم وبكل قوة رفضه لمبدأ الدولتين المتجاورتين، دون أن يوضح ما هي البدائل، بل وهو قد ذهب أبعد حينما صرح بأن سبب تسمية اليهود باليهود يعود إلى أرض يهودا والسامرة التي تقع في الضفة الغربية لنهر الأردن، تماماً كما هو سبب تسمية الصينيين بسبب وجودهم على أرض تسمى الصين.

وكأن ذلك كان كافياً لبعثرة أحلام جهود السلام العالمي وحل القضية الأعقد في القرن العشرين وما تلاه، لكن ما قاله نتنياهو لم يكن غريباً عنه ، إنما الغريب هو مواقف ترامب الضبابية من صمته على ما قاله ضيفه اليهودي ،تصريحاته الطويلة حول نيته وعزمه نقل السفارة الأميركية إلى القدس بدلاً من تل أبيب ليكون أول اعتراف دولي بعاصمة اسرائيل التاريخية كما يتمناها غلاة الليكود، ونسفاً لكل ادانات حرب ال67 وسياسة ضم الأراضي التي قامت بها الحكومات الاسرائيلية ،بعد ذلك طالب العديد من الوزراء في حكومة نتنياهو بأن يعلن الرئيس ترامب تأييده لضم الجولان إلى أراضي اسرائيل ،وهو ما يرفضه جميع سياسيو العالم .

كان ترامب سعيداً بوجود رئيس حكومة يشاطره، قفزاته السياسية بعيداً عن المألوف ،بل بدا الاثنين مستعدين للذهاب بعيداً في كسر نمطية السياق السياسي العالمي البطئ الذي أعقب الحرب الباردة وأسلوب حرب الوقت وانتظار تغيير زمني يعقبه تغيير واقعي على أرض الصراع في الشرق الأوسط، فبديا مستعجلين، وأعلن نتنياهو صراحة أن دول المنطقة باتت لا ترى في اسرائيل للمرة الأولى منذ تأسيس الأخيرة عدواً من الدرجة الأولى، بل باتت ايران بسياساتها التوسعية وأسلوب تصدير الحرائق كسفارات لنشر مشروعها التوسعي، أعلن ذلك نتنياهو وهو يعلن استعداده للتعاون مع دول عديدة من دول المنطقة لمواجهة السرطان الايراني المنتشر في المنطقة، أعلن ذلك بينما ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجه الرئيس ترامب تأييداً لما يقول، بينما بدت أصوات طبول الحرب والتجييش تسمع انطلاقاً من البيت الأبيض ووصولاً إلى باكستان التي أغلقت حدودها مع أفغانستان التي تتهمها حكومة إسلام أباد بالتعامل مع إيران وتصدير الانتحاريين إليها ،ومروراً بتصريحات وزير خارجية المملكة العربية السعودية التي تؤكد على تصريحات ترامب في أن ايران تعد الخطر الارهابي الأكبر في العالم وبأن طهران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم يعتدي عليها تنظيم الدولة الاسلامية ولا تنظيم القاعدة من قبله ، ومن بعده تصريحات جاويش أوغلو بأن ايران تسعى لتشييع دولتي العراق وسوريا ،كل هذه التصريحات قيلت علانيةً وكل الأصابع وجهت صراحة إلى النظام الايراني بأن عهد التراخي والسلام الذي ذرع بذوره الرئيس أوباما مع ايران ، انتهى .

وبأن لكل استفزاز ستقوم به طهران مستقبلاً، رد، وبأن الكيل قد طفح من ممارساتها في اليمن وسوريا و العراق والبحرين، ولا تبدو روسيا مؤخراً كجدار استنادي للجمهورية الاسلامية كما كانت منذ سنة على الأقل ،بل هي منشغلة تماماً بقياس درجات الحرارة الصادرة من تغريدات ترامب وقراراته المفاجئة ،وخصوصاً احتمالية فتح تحقيق في الكونغرس لمايكل فلين مستشار الأمن القومي الذي عزله ترامب مؤخراً نتيجة عدم صدقه في التقارير التي رفعها لنائب الرئيس فيما يخص حواراته مع السفير الروسي في واشنطن .

تبدو الصورة متغيرة في عهد الرئيس ترامب، وتبدو سياسة تعقيد الأزمات أو الهروب إلى الأمام ودفع المتصارعين إلى الخروج من خنادقهم، سياسة خطيرة جداً ،تجعل الجميع وبمن فيهم الولايات المتحدة يقفون عراة أمام بعضهم البعض ،دون أوراق واتفاقيات وعهود ،وكلام يكرهه ترامب بشدة ،بل فقط مصافحات شديدة و طويلة و فرض حلول بالقوة لم تنجح السياسة في حلها باللين طوال عقود، ولربما ليست هي طبول الحرب التي تقرع في واشنطن ، بل هي فقط أصوات طبول تدق قرب جحور الأفاعي لتجعلها تخرج لتواجه قدرها تحت الشمس .