5 نقط سوداء تلتهم ميزانية المغرب”التهرب الضريبي للأغنياء ،تهريب الأموال،رواتب المسؤولين والسياسيين الخيالية،الموظفون الأشباح، ثروات تباع بأثمنة بخسة” والمواطنون مضطرين لتسديد خسائر هذا الفساد وسوء التدبير من جيوبهم
لعل المغرب ليس بلدًا فقيرًا كما يُتصور، إذا ما نظرنا إلى حجم الأموال التي يلتهمها «الفساد»، والثروات الطبيعية التي تعجز الحكومة أحيانًا عن تدبيرها كما يجب، فتضيع ميزانية الدولة دون أن يستفيد منها أحد، بل ويصبح المواطنون مضطرين لتسديد خسائر هذا الفساد وسوء التدبير من جيوبهم، في هذا التقرير خمسة ثقوب تلتهم ميزانية المغرب.
1- التهرب الضريبي.. الأغنياء المستفيدون دومًا
من المعلوم أن الضرائب هي العمود الفقري لتمويل ميزانية أي دولة، لذا تجتهد أي دولة في وضع أنظمة جبائية صارمة لضمان جمع مداخيلها الضريبية من الأفراد والشركات، مهما علت مرتبتهم الاقتصادية أو السياسية، ولا تتوانى في مطاردة المتهربين من الضرائب من الشركات الكبرى، وإلحاق العقوبات والغرامات الطائلة بهم.
لكن في المغرب الوضع يختلف بعض الشيء، حيث يعدّ التهرب الضريبي نشاطًا طبيعيًا للشركات التجارية والأغنياء، هذا ما يؤكده تصريح صحفي سابق للمدير العام السالف لمديرية الضرائب بوزارة المالية والاقتصاد، نور الدين بن سودة، الذي قال إن حوالي %60 من الشركات الخاصة لا تدفع ما عليها من الضرائب، مكبدة ميزانية الدولة خسائر مالية تقدر بـ30 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل %8 من الدخل الإجمالي الخام في المغرب.
مما يسهم في إفقار الطبقات الشعبية واغتناء النخب المالية على حساب ميزانية الدولة، التي يمولها المواطنون من خلال ضرائبهم، فتغدو الدولة غير قادرة على تقديم خدماتها العمومية من صحة وتعليم وأمن بشكلٍ فعَّال، نتيجة نقص التمويل.
وإلى اليوم، لا يزال المغرب يفتقر للموارد البشرية الكافية، والترسانة القانونية اللازمة، وقبل ذلك يفتقر للإرادة السياسية الحقيقية، للقيام بإصلاح ضريبي، يُمكن الدولة من استرداد مستحقاتها الجبائية من المقاولات التجارية، التي تستعمل كافَّة الحيل غير الشرعية من تزوير وغش ورشوة وتلاعب بالقانون، للحيلولة دون أدائها الضرائب.
2- تهريب الأموال
يحتل المغرب المركز 34 من بين 149 بلدًا شملها تصنيف منظمة النزاهة المالية العالمية لأكثر الدول تهريبًا للأموال طوال عقد من الزمن، حيث فاقت الأموال المهربة من المغرب إلى البنوك الخارجية خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2004 و2013، الـ41 مليار دولار أمريكي، ما يعادل ثلثي ميزانية المغرب السنوية، بمتوسط تهريب أربعة مليارات دولار سنويًّا.
وفق المنظمة، فإن معظم هذه الأموال التي يهرِّبها أثرياء المغرب تتجه نحو البنوك السويسرية لأغراضٍ مختلفة، تبدأ من التهرب من دفع الضرائب، وتهريب السلع، مرورًا بالتغطية على نشاطات تجارة المخدرات، إلى تأمينها بعيدًا عن التحقيقات القضائية في جرائم الفساد المالية.
وقد أقرت الحكومة «قانون العفو الضريبي» في محاولة منها لإغراء مهربي الأموال من أثرياء المغرب، الذين غصّت بهم تسريبات البنوك السويسرية وبنما، من أجل إرجاع الأموال إلى داخل البلد، ولم تسترد سوى 2.85 مليار دولار من بين 41 مليار دولار الأموال المهربة إلى الخارج فقط خلال العقد الماضي، كما عجزت عن كبح استمرار تهريب الأموال نحو الخارج، على الرغم من التسريبات المتتالية التي تفضح المهربين بالأسماء والأرقام.
وتكلف عمليات تهريب الأموال نحو الخارج، التي يقوم بها النخب الغنية في المغرب، الدولة المغربية نتائج باهظة، فمن جهة تُفقد ميزانية الدولة ضرائب تقدر سنويًّا بملايين الدولارات، بتملص أثرياء البلد من أداء الضرائب المستحقة عليهم عبر تهريب «أموالهم» إلى ملاذات ضريبية آمنة، ومن جهة أخرى يحرم البلد من أموالٍ طائلة، كانت لتسهم في التنمية والاستثمار وتشغيل الشباب لو بقيت داخل البلد، ناهيك أن ظاهرة تهريب الأموال تستنزف احتياط العملة الصعبة للدولة.
3- الرواتب الخيالية.. أجور السياسيين ولمسؤولين تستنزف الميزانية
تعتبر قضية سلم الأجور في المغرب إحدى مظاهر الفوارق الطبقية الفجة بين مكونات المجتمع، التي تظهر مدى سوء توزيع الثروة، حيث يوجد بونٌ شاسع بين أجور الوزراء والبرلمانيين وكبار مسؤولي الدولة من جهة وأجور الموظفين البسطاء والعمال من جهة ثانية.
بحسب القانون الصادر سنة 1975والمعدَّل سنة 1993، المتعلق بوضعية الحكومة وكتلة أجور أعضائها، فإن الأجر الأساسي الذي يتقاضاه رئيس الحكومة هو 70 ألف درهم، وأجر الوزير الشهري هو 58 ألف درهم، وأما أجر البرلماني فلا ينقص عن 36 ألف درهم بعد الزيادة الأخيرة، ويستلم كل نائب داخل قبة البرلمان معاشًا بـ 30 ألف درهم مدى الحياة، وهي أجور تفوق بكثير رواتب وزراء وبرلمانيي بلدان أوروبية، مثل فرنسا وبلجيكا، كما كشفت مجلة «جون أفريكة» الفرنسية في إحدى تحقيقاتها الصحفية.
وإذا ما أجرينا عملية حسابية بجمع أجور وزراء الحكومة ( 39+رئيس الحكومة) بالإضافة إلى أجور أعضاء مجلسي القبة التشريعية (395 من مجلس النواب +120 من مجلس المستشارين)، فإن رواتب الوزراء والبرلمانيين وفق الأرقام المعلن عنها فقط، تكلف ميزانية الدولة شهريًّا بالتدقيق مليونين و 872 ألف درهم، فضلًا عن التعويضات الثمينة والامتيازات الخدماتية، في بلدٍ لا تتجاوز ميزانيته الهزيلة ثروة بيل غيتس وحده، مؤسس شركة ميكروسوفت. أما ميزانية البلاط فهي تصل نحو 2.4 مليار درهم بحسب ميزانية 2016.
بينما الحد الأدنى للأجور حسب آخر تعديل تشريعي، لا يتجاوز 3000 درهم، ما يعني أن أجر رئيس الحكومة يضاعف العامل البسيط بـأكثر من 23 مرة، وأجر الوزير يضاعفه بأكثر من 19 مرة، علمًا أن الكثير من العاملين المهمشين، كالحال مع الخادمات وعمَّال بعض المصانع والعاملين في الضيعات الفلاحية، لا تصل أجورهم حتى للحد الأدنى للأجور كما هو معلن عنها. كما أن معاش الكثير من الموظفين البسطاء هي في حدود ألف درهم شهريًا.
وكانت مديرية نفقات الموظفين التابعة للخزينة العامة قد كشفت العام الماضي أن ما يقارب نصف ميزانية الدولة، %49، يتم إنفاقها فقط من أجل تسديد رواتب الموظفين، الذين لا يمثلون سوى % 2,3 من مجموع السكان، علمًا أن كتلة أجور الموظفين الكبار، من سياسيين وموظفين سامين وكبار الدولة، تبتلع ما بين %60 إلى %70 من الكتلة العامة لأجور الموظفين.
4- «الموظفون الأشباح».. رواتب بلا عمل
في كل شهر يستلمون رواتبهم، حتى دون أن يحضروا مقرَّات العمل، التي من المفترض أنهم يشتغلون بها، لكنهم رغم ذلك موظفون على الورق يحصلون على الأجور والمعاشات كسائر الموظفين، دون أن يقدموا أي خدمة عمومية يمكن أن ينالوا على أساسها الراتب، ومنهم من يعيش خارج الوطن أصلا ومنهم من تحت الثرى منذ زمن، إنهم الموظفون الأشباح.
في سنة 2012، صرّح الوزير المكلّف بالشؤون العامّة والحكامة وقتذاك، محمد نجيب بوليف، بأنّ عدد الموظفين الأشباح في الوظيفة العمومية، يتراوح ما بين 70 و 90 ألف موظفٍ شبح، من ضمن 800 ألف موظف يشتغلون في القطاع العام، لكنَّ التقديرات اليوم تشيرُ إلى وجود ما يُقاربُ مائة ألف «موظف شبح» في الإدارات العموميّة المغربيّة.
وإذا قمنا باحتساب رواتب 90 ألف موظف شبح فقط بأجر 5000 درهم (وهو راتب موظف بسيط)، فإنهم يكلفون ميزانية الدولة أربعة ملايير ونصف مليار سنتيم شهريًا، باعتبارها أجورًا لهؤلاء الموظفين الأشباح، ولنتخيل حجم أموال الدولة التي أهدرت سدى منذ عقود، من أجل موظفين على الورق.
ترجع هذه الظاهرة المستفحلة بالمغرب إلى سببٍ واضح هو: «فساد الطبقة السياسية»، حيث كان يجتهد برلمانيو الأحزاب السياسية والموظفون السامون منذ عهد الحسن الثاني في وضع أقاربهم وأفراد عائلاتهم ومعارفهم في سجلات الموظفين بالإدارات العمومية، دون أن يكونوا كذلك على أرض الواقع، مما راكم هذا الجيش من الموظفين الأشباح، الذين يستلمون رواتبهم من ضرائب المواطنين بدون حق.
وكانت وزارة الوظيفة العمومية قد أعلنت قبل عام عن تشطيبها على 1600 موظف شبح، لكن هذا العدد يبقى ضئيلًا بالمقارنة مع مائة ألف موظف شبح الموجودين. وإذا ما قررت الحكومة المغربية شطب الموظفين الأشباح وتعويضهم بالمعطلين، فإنها ستستطيع بذلك القضاء على البطالة وترشيد ميزانية الدولة، لكن يبدو أن الإرادة السياسية غير متوافرة حتى الساعة.
5- موارد ضائعة.. ثروات تباع بأثمنة بخسة
على الرغم من أن الثروات الطبيعية لم تعد في عصرنا المحدد الرئيسي للتنمية بالمقارنة مع الموارد البشرية، إلا أنها يمكن أن تكون محركا أساسيا بالنسبة لدول العالم النامي لتحقيق العيش الكريم لشعوبها، لكن في البلدان التي تحكمها نخب ليست على قدر من المسؤولية، تصبح هذه الثروات ضائعة، ولا يستفيد منها سوى قلة دون بقية الشعب.
تقدَّر نسبة الأراضي الصالحة للزراعة من مساحة المغرب بـ %17,79، أي ما يعادل 95 ألف كم مربع، وهي مساحة تضاعف تراب دولة مثل بلجيكا بأكثر من ثلاثة أضعاف، لكنّ حجم الاستغلال والإنتاج لا يتناسب تمامًا مع حجم هذه الموارد الفلاحية، حيث إسرائيل، على سبيل المثال، تنافس المغرب في تصدير الحوامض والخضروات من حيث القيمة المالية، على الرغم من أن البقعة الفلاحية للمغرب تفوق إسرائيل بكامل الحدود التي تسيطر عليها!
بجانب ذلك، يحتضن المغرب أكبر احتياطي للفوسفات عالميًا، باستحواذه على %80 من هذا المعدن في العالم، قدرته دراسة أمريكية بأنه سيغطي حاجيات بلدان المعمورة من هذه المادة لمدة 700 سنة قادمة، ويحتل المرتبة الثانية بعد الصين عالميًّا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويًّا، وبلغت عائداته السنة الماضية 4,7 مليار دولار، حسب التقارير الإعلامية.
لكن بعض التقارير الدولية، منها جريدة «نورثيرن مينر» الأمريكية المتخصصة، تشكك في الأرباح المعلن عنها من قبل المكتب الشريف للفوسفاط، خاصة وأن المعاملات المالية للمكتب غير مدرجة في البورصة، وتقول إن الرقم يتجاوز ذلك، وكيفما كان الحال يبقى رقم الأرباح المصرح به رسميا ضئيلا، بالنظر إلى قيمة الفوسفاط المغربي، ليس فقط كمّا بل أيضا نوعا، لأنه يحتوي على مواد عالية السعر مثل اليورانيوم.
بيد أن سوء التدبير لهذا المورد المعدني يُضيع على المغرب مداخيل مهمة، خاصة وأنه يستطيع تحويلها إلى ثروة ذهبية، ليس فقط لأن الطلب العالمي يزداد عليها سنويًا، بل أيضًا لأنه يستحوذ على النسبة الساحقة من الفوسفاط العالمي، فضلًا عن أنه يمكن تطوير الإنتاج للفوسفاط، من خلال إنشاء معامل التصنيع بالاستعانة بالشركات الأجنبية الخبيرة، بدل تصدير ملايين الأطنان من المواد الخام الرخيصة.
على صعيدٍ آخر، ينفتح المغرب على واجهتين بحريتين، بحيث يقدر طول سواحله إجماليا بـ3500 كيلومتر، منها 2900 كيلومتر على المحيط الأطلسي، و600 كيلومتر على ضفاف البحر المتوسط، وتبلغ مساحته البحرية 115 ألف كيلومتر مربع. وبفضل هذه الإمكانيات البحرية التي يتوفر عليها المغرب، صنفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) البلد في المرتبة 17 من أصل 25 دولة من أكبر منتجي السمك عبر العالم، بإنتاجه حوالي 1.35 مليون طن، يتم تصدير معظمه خارج البلاد.
في حين أن العائد السنوي لهذه الثروة البحرية الهائلة لا يتجاوز 247 مليون دولار من الأرباح، كما أن المواطن المغربي محروم من شراء معظم أنواع السمك، بسبب غلاء سعرها، في حين يشتري الكيلوغرام الواحد من السردين الرخيص بثمن يفوق نظيره في إسبانيا التي تكتري البحار من المغرب للصيد، ومن ثمة بات القطاع السمكي بالمغرب مثالًا للفساد والاستهتار بثروات البلد.
هكذا إذن يتبين كيف تضيع موارد البلاد، وبدل أن تتجه الحكومة المغربية لمعالجة هذه الثقوب السوداء التي تلتهم ميزانية الدولة، تختار الطريق الأسهل، وهو الاستدانة وزيادة الضرائب على المواطنين ورفع الدعم العمومي، حتى أصبح المغرب اليوم تحت كاهل 67 مليار دولار من الديون العامة، بين ديون خارجية وديون داخلية، وارتفعت الأسعار، وتفاقمت مشاكل الصحة والتعليم وبطالة الشباب.
تعليقات 0