واقع الثقافة بمراكش

10 مايو 2022 - 8:13 ص

بقلم
الاعلامي احمد رمزي الغضبــان
رئيس مكتب الاتحاد
العربي الاقليمي للاعلام في المغرب.

مراكش هذه الحاضرة التاريخية المجيدة الفيحاء، بغداد المغرب الاقصى، وعاصمة العلم والعلماء والفقهاء واهل الفكر والادب، ارتبط ذكرها على مر الازمنة بكبريات الاحداث والوقائع والملاحم البطولية، واعطت كثيرا من الممجدين العظماء الذين خلدهم التاريخ فكانوا اساطين وجهابذة في ذاكرة الامة العربية والاسلامية على امتداد الحضارة الاسلامية شرقا وغربا، ثم كانت مراكش ايضا في سجل السلك الديبلوماسي مدينة اللقاءات الدولية العظيمة، ومنها كانت انطلاقة اعظم مسيرة سلمية حسنية مظفرة من ابداع ملك عبقري عظيم الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه، مراكش التي كانت ايضا معقلا وطنيا ضم نخبة كبيرة من الوطنيين الاوفياء الذين ضحوا بالمال والولد خدمة للوطن وملك الوطن، فاعطوا المثال النادر للوطنية الصادقة في ارتباطهم بالمقدسات الوطنية، وذاكرة الحمراء تحفظ لنا العديد من اسماء افراد المقاومة الدين استشهدوا في سبيل الله خدمة للوطن، ماذا ونحن اليوم نقف وقفة استعبار واستقراء لامجاد مدينتنا العربية الاسلامية الغراء مراكش، متاملين الواقع الذي باتت عليه مدينة مراكش اليوم؟ ماذا لو بعث من قبره اليوم مؤسس مدينة مراكش يوسف بن تاشفين، ماذا سيكون التعليق؟ ضاعت هوية المدينة، واتلفت ثقافتها، وتشتت تراثياتها، مثقفوها في انزواء قاتل زاد من شدة الازمة،فتضيع الامانة في الامة، ويتولى الامور من ليس اهلا لها، فظهرالمتحذلقون في صفة خفافيش استولت على على كل حقل من الحقول، متشاعرون ومتزاجلون ومنتسبون خطا الى حقل الاعلام واخرون ليس لهم من الثقافة الا مجرد العناوين، وهذا الوضع الذي تعيش عليه اليوم مدينة مراكش هو امر كوني قدري كان قد اخبرنا به رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال :(اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة، قال: كيف اضاعتها يارسول الله؟ قال: اذا اسند الامر الى غير اهله، فانتظر الساعة)، وما تعيشه الثقافة اليوم والابداع والاعلام ومجالات اخرى من فوضى وتسيب واقصاء لذوي الحقوق في مختلف مجالات الحياة والحضارة،هو الشرارة الاولى التي ستحرق بعدها ما اخضر واينع من بساتين الامانة والصدق وسلامة الضمائر، ان لكل عمل اهله، ولكل ميدان فرسانه، فاذا قام بالعمل من ليس اهله فقد اقتربت الساعة، واسناد الامور لغير اهلها هو خيانة وتضييع للامانة، ونحن مامورون بمدافعة تلك العلامة الفاسدة بان نسعى الى ان نسند الامر الى اهله، ونحقق بذلك الامانة في قول الله عز وجل : ( ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل، ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا) النساء 58، اقف هنا لافتح قوسين لاذكر بمحطة كانت من ابهى المحطات في تاريخ الاحتفاء بالثقافة والابداع بمدينة مراكش، قبل زمن المسخ والتسيب هذا، واستعيد بعضا من مجد الثقافة والابداع بمدينة مراكش على عهد عامل صاحب الجلالة بمدينة مراكش الشريف الرضي مولاي المامون ابو فارس الذي ارتبط اسمه الكريم باعظم واخلد تظاهرة ثقافية شاملة شهدتها عاصمة ابن تاشفين وهي الملتقى الربيعي السنوي، فقد استطاع هذا الرجل ابن مدينة مراكش البار ان يخدم الثقافة والابداع في هذه المدينة، فازهرت وانتعش قطاعها، وتم تكريم اعلامها وجهابذتها، وتم احياء تراثها بمختلف اجناسه، واستطاع مولاي المامون ابو فارس بمخططه التنموي الوجيه لقطاعي الثقافة والابداع بمدينة مراكش ان يشذب طفيليات المتسلطين الذين كانوا يقبعون تحت الاحجار لا يجرؤون على مغادرة جحورهم،وفي هذا العهد الذي لازال يعتبر من امجاد الثقافة والابداع والتراث الخالدة في ذاكرة مثقفي المدينة ومبدعيها، تم الاحتفاء بالادب وبالفقه وبالعلم وبمختلف الفنون وبقطاع الصناعة التقليدية، فانتعشت كل القطاعات بمدينة مراكش، وكان السيد العامل السابق الشريف مولاي المامون ابو فارس يستدعي في اطار مخطط التنمية الثقافية كبار العلماء والادباء والفناني من ابناء المدينة في لقاءات استشارية دائمة، وكان، اسعد الله، يتابع اخبارهم ومستجداتهم، وقد كرم الاغلب منهم في مختلف دورات الملتقى الربيعي لمدينة مراكش، كرم العالم الجليل الاستاذ احمد الشرقاوي اقبال رحمه الله، وكرم الاستاذ الباحث الجليل سيدي احمد متفكر والاستاذ ابراهيم الهلالي رئيس جمعية احياء جامعة ابن يوسف،والشاعر احمد ايت وارهام،والشاعر مولاي الصديق العلوي، والدكتور محمد بن شريفة ، وشاعرة مراكش العظيمة المنسية الاستاذة حبيبة الصوفي الى جانب تكريمه للعديد من المبدعين من ابناء المدينة، كما احتفى في مختلف دورات الملتقى الربيعي بتراثيات المدينة من ملحون وموسيقى اندلسية اهازيج محلية ومسرح وفنون تشكيلية، وقياسا مع هذا الرصد الوجيز لنهضة الفعل الثقافي والابداعي بمدينة مراكش، كيف يمكن ان نتحدث عن هذا وضع الثقافة والابداع في عاصمة ابن تاشفين في زمن المسخ هذا الذي اغتيلت فيه القيم الرفيعة، واكتسح جميع الحقول فيه رعاع القوم من المتحذلقين المتسلطين (الجبايهية)، وتم فيه تكريم الفقاقيع، واقصيت فيه الكفاءات، واصبح تراث مدينتنا العريق مجالا للعبث والبيع والشراء من طرف متسلطات ومتسلطين لا يعرفون سطرا واحدا من التاريخ الممجد العظيم لمدينة مراكش،يدعم هذا الاتجاه المنحرف مؤسسات محلية فقيرة لا تمتلك اقل حلقة من مشروع تنموي ثقافي ابداعي يرتبط بالمدينة وساكنتها، وهل الاطار الفارغ لا يرشح بغير الفراغ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *