جريدة نبأ نيوز

هل الإسلام مجرد حق ؟

“و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدوا بغير علم , كذلك زينَّا لكل أمةٍ عملهم , ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ” سورة الأنعام – 105
هل إحترام ما يعبد الأخرون يعني عدم ثقتك في معبودك و عقيدتك ؟
إن كنت أملك الحق المطلق , لماذا لا أسبهم ؟
و إن لم أكن أملك الحق المطلق , فهل هذا يعني أن الإسلام هو مجرد حق ؟
هل الحق يملك القوة التي تجعل الناس تدين له و به ؟
لماذا يصدر الله الناس لهذه الأمانة؟ و لماذا عندما يحملها الناس لا تنجح ؟
بادئ ذي بدئ , فإن الشهادة أن الله الإلاه الأوحد و أن محمد الرسول الآخر، لا جدل حولها عندي، و الإيمان بها يفوق الإيمان بكل شئ، و أؤمن أنها حق كلها , لا لبس فيها , و أنها خير كلها لا شر فيها .
في سياق الأيات – من الأيه 102 إلى 105 – تجد أن الله يتحدث عن نفسه كإله، بيد أنه في الأصل لا يحتاج إلى الحديث، لكن أقتضت طبيعة البشر المجبوله، أن تستمع إلى توضيح و بيان حتى تعقل الأمر و تنزله على منزلته أو تقيمه على مقامه .

ثم يقول بعدما أثبت أنه الإلاه الأوحد ” لا تسبوا ” هل هذا خوف ؟ أم أنه عدم ثقةٍ في الإيمان بالقضية؟
إنما هو الثقة في أنك الحق , فأنت يقع همك الأول خلف أن تشير لهم للحقيقة، لا أن تستعديهم ، كما أنه أثبت أنهم ” يدعون من دون الله ” و قد يصل أحدهم إلى الله يوماً ما، و إستعدائك له مع الأخذ في الإعتبار أنك تنتمي لجانب الحق، يعني أنك قد تسببت في إضلاله بصورةٍ أو بأخرى، هذا مع العوام و الشعوب، لا مع من يستعدونك بعد علم .

فإن إحترام إعتقادهم الخاطئ في نظرك يعني ثقتك في إعتقادك، و الإحترام لا يعني الإعتراف بصحته . هذا الإحترام مرهون بإحترامهم أيضاً، و النهي في الأية هو الإبتداء في العدوان , أو إفتعاله .

قيل أن سبب النزول هو أن مشركي مكة لما سمعوا بأن جد النبي عبد المطلب قد أقتربت منه المنية لتوافيه , أنطلقوا يطلبونه حتى لا تقول العرب أنه كان يمنعهم من قتل محمد فلما مات قتلوه .
فلما دخلوا عليه قالوا ” يا أبا طالب، أنت كبيرنا و سيدنا، و إن محمداً قد أذانا و أذى ألهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا و لندعه و إلاهه , فدعى النبي صل الله عليه و سلم , فلما أتى قال له ” يا محمد , هؤلاء قومك و بنو عمك ” فقال ” ما تريدون ” قالوا ” نريد أن تدعنا و آلهتنا و ندعك و إلاهك ” .

و تستطيع أن تبحث عن الموقف كاملاً , إلا أن الخلاصة هي أن النبي رفض أن يتركهم، و لكن الله أمره بألا يسب ألهتهم، لأن المعركة في إحقاق الحق، و إبطال الباطل، و ليست في إستعداء إنسانٍ لأخر .

هل الإسلام مجرد حق ؟ بالنسبةِ لكل مسلم , قطعاً لا، هو الحق المطلق لكن للأخرين هو مجرد حق، أو أنه باطل .

حقيقةً إن الكلام النظري لا يغني عن التجربة مهما كانت واقعيته، لما تحاورت بطريقةٍ شخصية مع من يؤمن بأديان لم أسمع بوجودها و هو لم يسمع بوجود الإسلام، أحسست أن كلامي ليس له قيمة، طالما أنه أصلا لا يرى وجودي .

الصدمة أنك قد تقتنع أن الصراع بين ثلاثة أطراف أو ست أو عشر، بينما أن الأطراف من كثرتها قد لا تعتقد بوجودك إلا في الأفلام .

إن الحق يملك السحر و الشغف الذي يستولي بها على قلوبٍ و عقول، لكن ليس كل من خلق لديه هذه المقدرة…

*أحدهم ظللت أحداثه و هو يصغى , لكنه قال لي ” أنا أبحث عن المتعة فقط , لا يهم أي شئ أخر ” لو أتيت له بقبسٍ من روح الله فلن يهتم، لأنه بالأصل لا يبحث عن ذلك *.

فالحق لا يستجدي الناس ليؤمنوا به، بل هو إستحقاق , يُبحث عنه و يطلب، و يشعر بقوته و صفائه , و يصبح مصاغاً للنفوس و العقول , و يترقى بها بين المتشابهات، ليصبح الحق واحدًا لا مناص منه , و لا عيب فيه .

لو كان الحق خطاً واحداً , فإن هناك الكثير من الخطوط حوله , من كثرتها قد لا ينتهي بصرك إلى وجوده أصلاً , هنا و لأن الله حكم عدل، فإنه سيقبل منك إيمانك بوجوده فقط، بدون أي شئ أخر .

إن الله غني عن العالمين , لكن فلتنظر للأمر على أنه إمتحان إستحقاق للخلود ، هل كنت ستجلعه أسهل ما يكون , أو أصعب ما يكون .
لو كنت عدلاً فإنك ستضع معياراً واحداً للكل، يجتازه الصحيح و يفشل فيه المعطوب، لكن عدل الله مشفوع برحمته، فهو يقول ” ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به و لكن ما تعمدت قلوبكم ” بفرض الإيمان به و توحيده المسبق .

إنما الإسلام إشارة جميع البشر لتوحيد الله كما يريد، لا كما يريدون، و إعلان دعوته له، و أنه الرحمن الرحيم , و لو كان الأمر بإستطاعة بشر و لما آمن أحد .
بقلم
محمد أسامة الفتاوي.