محمد أسامة الفتاوي:ليس كل من يكتب في موقع فهو صحافي، لأن مهنة الصحافة لها أخلاقياتها ولها ميثاقها المحلي والدولي ولها تكويناتها المهنية ولها أصنافها التحريرية
وجب التذكير بأنه ليس كل من يكتب في موقع فهو صحافي، لأن مهنة الصحافة لها أخلاقياتها ولها ميثاقها المحلي والدولي ولها تكويناتها المهنية ولها أصنافها التحريرية. لكن نظرا للحيوية التي بات يعرفها الإنترنت، لقيت عملية الإخبار الإلكتروني، إقبالا منقطع النظير من طرف كل من رأى في الكتابة الرقمية ملاذا للتعبير الحرّ دون قيود. لذلك لاحظنا توالد العديد من المواقع الإخبارية المختلفة الأشكال والألوان المتشابهة المضامين من دون أن يكون جل أصحابها من ذوي مهنة الصحافة، وبالتالي صارت مسألة الأخلاقيات متجاوزة عند الكثيرين. وصارت مسألة التفكير في الضوابط الأخلاقية ثم القانونية أمرا مُلحّا حتى لا نمسي ونصبح أمام فوضى عارمة، وصراعات وميوعة أكثر مما يوجد الآن.
إن مسألة الأخلاقيات المرتبطة بمهنة الصحافة عموما وبالمواقع الإخبارية أساسا، وعندما نتحدث عن التجاوزات التي صرنا نلاحظها عبر الفضاء الرقمي، يدفعنا إلى القول بأن الأمر قد استفحل مع التطور العددي الذي يعرفه مجال إنشاء مواقع إلكترونية إخبارية، إذ تبقى مسألة وضع قواعد لممارسة الكتابة عبر الإنترنت من الأمور التي وجب التفكير فيها.
ويؤكد الواقع الملموس أن هناك صعوبة في الفصل بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني، بل ولم يتم الحسم في العديد من الأمور المتعلقة بالمبادئ الأخلاقية والقوانين. ولا شك أن هناك قيوداً قانونية وجب التعامل معها، مقابل وجود ضوابط أخلاقية وجب احترامها من كلا الجانبين: الصحفي المهني والمواطن الكاتب العادي الذي يستعمل النشر الرقمي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
* ضرورة ضمان الحياد والدقة في نقل الأخبار، وبالتالي الشفافية التامة
* النزاهة في جمع ونشر المعلومات
* تحديد مصادر المعلومات والأخبار
* احترام الحياة الشخصية للفرد وللجماعة
* عدم تشويه محتوى الصور سواء كانت جامدة أم متحركة
* تجنب أية ممارسات غير أخلاقية: التشهير، السب والقذف، استغلال النفوذ، استغلال الصور المفبركة، التهديد والابتزاز، الصور الإباحية…
* ضرورة الإشارة إلى المصدر الأصلي لأي معلومة باستعمال الروابط والروابط التشعبية.
جاء في وثيقة عهد الشرف الصحفي الدولي الذي وضعته لجنة حرية الإعلام وأقره التقرير الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأمم المتحدة سنة 1959 أن ” المزاولة الشريفة للمهنة الصحفية تتطلب الإخلاص للمصلحة العامة، لذلك يجب على الصحفيين أن يتجنبوا السعي وراء منفعتهم الشخصية أو تأييد المصالح الخاصة المتعارضة مع المصلحة العامة أيا كانت الأسباب والدوافع، فالافتراء والتشهير المتعمد والتهم التي لا تستند إلى دليل وانتحال أقوال الغير، كل ذلك يعد أخطاء مهنية خطيرة “.
فهل يمكن أن نسطر أخلاقيات للإنترنت؟ وهل يمكن حماية الشبكة العالمية الافتراضية من التلوث؟ وهل يمكن اعتبار الملوثات بمثابة جرائم وجب إيجاد قانون زجري لها؟
بات الحديث إذن عن حرية التعبير المرتبطة بالمواقع الإخبارية، واحدة من لوازم الحديث عن هذا النوع من الإعلام الجديد. وفي ظل الاكتساح الهائل لوسائل الإعلام المتعددة عبر الإنترنت، واكتساح التكنولوجيا الحديثة لكل مجالات النشر (كتابة وتصوير فوتوغرافي أو تصوير رقمي متحرك)، صرنا لا نجد بُدّا من التركيز على ضرورة احترام الأخلاقيات والتشبث بها، بل والعمل على أن تُصبح بمثابة “الرقيب الذاتي” لكل مستعمل أو ممتهن للصحافة الإلكترونية أو متعامل مع مختلف وسائل النشر الحديثة.
إننا الآن أمام عولمة الإعلام وعولمة وسائل الإعلام وسط عالم بات أصغر من قرية، عالم تنتهي فيه حُرّيتي عند انتهاكي لحرية الآخر.
فلا يجب الانخداع من متطفلين على مهنة شريفة يستغلونها لقضايا شخصية ربحية مشبوهة .
تعليقات 0