جريدة نبأ نيوز

مجهولة النسب تعترف فاقد الشيء لا يعطيه!!!

ينعتونني “باللقيطة” والبعض الآخر يناديني “بمجهولة النسب”، وأفضل التسمية الثانية، فهي أقل ألما، أما الأولى فأحسها سهما قاتلا يخترق حدود قلبي. يقولون أن محترفات الدعارة لا ينجبن اللقطاء.. لأنهن لا يثقن بأحد، إنما اللقطاء هم أبناء لحظة ثقة. أنا ضحية ذنب لم أقترفه.. أنا ثمن ليلة عابرة.. أنا ثمرة علاقة لم ترقى لمستوى الحب.. أنا غباء مراهَقَة وانجراف نحو شهوة.. أنا وعد ذكر، فاتها رَكْبُ الرجال ومشاعر أنثى خانت نفسها وثقة والدها.. أنا من كُتِبَ على جبيني الشقاء منذ أن أحسست أمي بنبضات قلبي وتركني أبي وراءه، على ضفاف الأسى والمعاني…

ومن يدري لعل والداي تخليا عني لأسباب أخرى! لكن لا يهم، فالمجتمع يَأْبى أن يصدق.. ولست أكثر من فتاة يُجْهَلُ نسبها. تركتني وحيدة، بعد ساعات من ولادتي بحاوية للأزبال قرب مستشفى. كان الشارع خاليا، إلا من بعض المتسولين والكلاب الضالة. سمع أحدهم صراخي وركض إلى الجهة المقابلة، فحملني الى داخل المستشفى ومن ثم إلى لائحة من يدفع أكثر لتبني متخلا عنها. أطلقوا علي إسما كي أنير به حياتي وآخذ من لقبي ولو حظا قليلا، لكن الحياة أَرَتْنِي كل معانيها، إلا ذاك المكتوب على سجلي.
حُرِمْتُ دفء العائلة وحنانها، ذكريات طفولتي تتلخص في كلمتين: ظلم وبؤس، والحقيقة أن عمري كله يقبع بين هذه الحروف. لا أحد يتذكر متى ظهرت أول سن في فمي ولا أول خطوة ولا حتى أول كلمة نطقت.. كنت مجرد “شيء ” لدى العائلة التي احتضنتني ، وحدها الأم تعتني بتلك التفاصيل.. وأنا لم يكن لي أم! صنعتها في خيالي لتؤنس وحدتي، أغمض عيناي وأشم رائحتها وهي تداعب خصلات شعري وتغني لي ترنيمة ما قبل النوم. قلت يوما لأحد زميلاتي في الحي الذي أسكنه بعد أن سرقة قطعة الخبز خاصتي أني سأشكوها لأمي، فضحكت باستهزاء وبكيت أنا.. وبكى قلبي الجريح…

حلمت بتكوين عائلة وإنشاء موطن تستقر فيه روحي ونفسي، كنت أوقن أن فاقد الشيء يمكنه أن يعطيه!!!.. ويعطيه بسخاء، لكن أحلامي تحققت وتزوجت وأنجبت لكن صوتا دائما كان يتبعني قائلا: “عذرا، فأنت مجهولة النسب”. لست ألومه، فله كامل الحق في معرفة إلى أي أم سينتمي أطفالي وأنا أحمل في كناش ولادتي فلانة إبنة” الأم لاشيء والأب لاشيء”. أصبحت لا أستطيع مرافقة الأمهات المتزوجات لا أستطيع مخالطة العائلات المحترمات العاديات كل مصاحباتي المطلقات و فتياة الليل والسجارة…أفرض متى أحن على أبنائي مع أنه لا يمت للحنان بصلة مجرد تعنيقة وتعود نظرة الكره لأبنائي وللحياة.إنفصمت شخصيتي حتى أصبحت لا أعرف نفسي أمام المرآة…!!!
صعب أن تضيع آمالك، لكن ماذا أفعل هذا قدري! والحقيقة أني تعبت كثيرا.. تعبت من أن أتظاهر أني قوية أمام نفسي وأمام نظرة المجتمع.. تعبت من أن أضمد جراح الحياة لوحدي،فليس لي أم تبكي حزنا على أحزاني، ولا أب يغزو الشيب شعره ألما على آلامي. لكني لن أسامحهما.. نعم لن أسامحهما من كل قلبي، ودعوت دائما في سري أن لا يغفر لهما تلك الخطيئة..تلك الخطيئة التي هي أنا!ولكم تمنيت أحضانهما وأن أضمهما إلى صدري بقوة! لكن الزمن اختار أن يطوي حياتي بسرعة ويرميها في صندوق لن يتذكره أحد.
أصبحت آلامي تتجلى في معاقبة أبنائي بخطيئتي ودائما يتبعني الصوت نفسه ليذكرني بأن فاقد الشيء لا يعطيه ….
لعلكم تسألون من أكون؟ لا تستغربوا، أنا أيضا لا أعرف من أكون.. لا تظنوا أنني أتفلسف، فأنا فعلا لا أدري من أي رحم أتيت وأي دم يجري في عروقي….