في زمن نفكر أقل.. نبدع أقل.. نتعلم أكثر ننتج لاشيء!!!!

أحبتي ،
كلنا يعرف المثل القائل “كل اللي عجبك.. والبس اللي يعجب الناس”، من منطلق الالتزام بالأعراف والتقاليد بحثًا عن الاختلاط وقبول الآخرين لنا.. لكن مارك توين الرائع يقول: “ارتدي ثيابك كيفما تشاء.. ولكن ارتدي روحك بأناقة”.
إذن كم منا أُغرم عن بُعد وفتن بجمال أحدهم حتى جافانا الليل، إلى أن التقيناهم وفتحوا أفواههم.. أو عاشرناهم وفضح ما بداخلهم.
أحبتي، مرحبًا بكم في زمن المظاهر العمياء!!!!
مع كل التكنولوجيا الحديثة التي تخترق السنوات الضوئية.. وتخترق تحت أثوابنا.. وتحلل أحلامنا وكوابيسنا تحت أسلاك الباحثين والدارسين.. إلا أننا في زمن العميان.
لا نرى أبعد من logo
لا نسمع سوى أسماء رنانة
لا نتذوق سوى أطعمة لها وزن وثقل على مواقع التواصل الاجتماعي
لم نعد نقبل ذواتنا كما هي.
في زمنٍ لم يعد فيه شيءٌ سرًا -المفروض- كل شيء أصبح مكشوفًا لأعيننا.. أصبحنا لا نرى شيئًا.. أبدًا.
أصبحنا كدمى مسرح العرائس.. نرتدى أجمل الألوان.. نؤدي أروع العروض.. وما أن ينتهي العرض.. تغادرنا الروح.. يعني أصبحنا عميان بلا روح .
مع كل التطور وثورته وسرعته.. لم ترتقَ البشرية.. لا اخلاقًا ولا روحًا ولا إبداعًا أصبحنا نفكر أقل.. نبدع أقل.. نتعلم أكثر.. في حين قال ديكارت: لكي نطور العقل.. يجب أن نتعلم أقل مما نتأمل.
هذا التطور السريع الذي نعيشه.. جذوره وبذوره تعود لزمن التأمل..
– فغزو تحت البحار بغواصة ظهر كمعلومة تاريخية أول مرة عام 1620 على يد الهولندي كورنيليوس جاكوبسون معتمدا على قانون الطفو لارخميدس .
– محاولات الطيران في الحضارات القديمة مرورًا بابن فرناس و الاخوين رايت.
– فكرة استحضار أحبائنا على شاشات صغيرة من نصف العالم الأخر.
– التحرك من مكان لمكان في وقت قصير.
– اختراق السماء.. الخ الخ
كلها جذور تمتد لزمن التأمل
زمننا لم يأخذ فرصته الابداعية بعد.. لم يخلِق بعد.. لأننا في زمن العميان بلا روح.
أحدهم قال: لكي تصبح فيلسوفًا.. عليك أن تندهش.. وللأسف لقد فقدنا عنصر الدهشة.. دهشتنا سطحية لشكليات وقشريات.. لكن اندهاش الروح أصبح مستحيلاً، متى أخر مرة اخذتك الدهشة؟ أن تشهق دون أن تشعر؟ متى أخر مرة ملأتك الدهشة حتى أن داخلك تفجر؟
أعزائي: آخر دهشاتنا كان ونحن أطفال.. فروعة الأطفال في دهشتهم من أبسط الأشياء.. إنهم المبدعون الصغار. إلا أننا نسرق منهم دهشتهم ونحولهم لتروس في ماكينة البشرية الحديثة، ونحولهم لعميان بلا روح.
ما زلت أذكر وأنا طفل حين كنت أحفر خندقًا وأشيد منزلاً في الرمل وإذ بدودة أرض بيضاء.. لم أجزع.. لم أهرب.. أخذت أتأملها.. حركتها.. لونها.. شكلها ثم عدت لأمي أخبرها عن مغامرتي مع دودة الأرض.
لا زلت أذكر يوم رأيت الحرباء أول مرة على شجر حديقتنا.. لم أجزع.. وقفت مذهولة اتأملها.. حركتها.. وتغير لونها البسيط من أخضر فاتح إلى أخضر داكن حسب لون ورق الشجر.. كانت لحظة عظيمة.
ما زلت أذكر كل ليلة صيف قضيتها مع أقراني نملأ الدنيا بخيالنا.. ننشئ قصورًا إما من خشب أو بقايا صناديق وفروع أشجار.. وشتاءً كانت الأغطية والوسادات تشيد أجمل القصور وأعلاها.
ما زلت أذكر روعة أول قطاف لأي فاكهة ما زالت لم تنضج بعد ولكنها أول واحدة على الشجرة.. محظوظ من يقطفها.. برتقال.. تفاح.. لوز.. ما زلت أعرف أشكال الشجر بعد أكثر من ربع قرن.
حتاج أن نرفع الستار عن أعيننا.. أن نعيد التأمل والدهشة للأجيال المقبلة.. أن يروا الحياة خارج المدرسة.. خارج الشاشة – أيا كانت- خارجنا نحن.
لا أريدهم أن يعيشوا طفولتي ولا زمني.. خلقوا لزمانهم فليعيشوه ويكبروا يبدعوا ويخلقوا ويرتقوا.. لا أن يكونوا كفيفون بلا روح.
عميان: أرفضها ككلمة ولا استخدامها في وصف أي إنسان لديه ظروف خاصة، ولكن هنا نحن لسنا بعميان ولا حالات خاصة –
نحن كفيفون بلا روح-
بقلمي المتواضع
محمد أسامة الفتاوي
جميع حقوق النشر والتأليف محفوظة.
تعليقات 0