جريدة نبأ نيوز

النقد بين النضج الفكري والوعي السياسي في مجتمعنا بينهما برزخ لا يبغيان

بقلم محمد أسامة الفتاوي .
أن تنتقد أفكاري أو أنتقد أفكارك لا يعني أنني أعاديك أو أحقد عليك أو شيء من هذا القبيل، ولكننا نساهم معا في تكريس مفهوم المواطنة وتجسيدها سلوكا ونهجا…. ولا مكان لمشاعير الغل والكراهية والحقد في المواطنة.
عندما تنتقد فكرة ما أو مشروع ما من دون الخوض في الحياة الخاصة لصاحب الفكرة أو المشروع ( سواء كان شخص ذاتي أو معنوي)، فذلك يبقى حق أساسي من حقوق الناقد…. لكن يبدو أن الكثير من الناس لا يميزون بين الفكرة وصاحب الفكرة…
ولذلك بمجرد أن تقوم بانتقاد فكرة ما أو مشروع ما أو الكشف عن حقيقة ما أو توضيحها والتعليق عليها أو طرح بدائل ما أو حتى التعبير عن قناعتك، تبدأ السهام والصوارخ القذرة تتصوّب نحو شخصك وحياتك الخاصة….عوض التركيز على الفكرة أو المشروع موضوع النقد….
وعندما أقوم بربط الفكرة أوالمشروع موضوع النقد باسم صاحبه(ها)، فلأن هذا الاخير هو صانعها ومبدعها والقناة التي تمرره(ها) أو تحاول / يحاول فرضها على الناس ومجتمعهم…
وهذا السلوك يجعلنا نجزم أن أصحاب التعقيبات إما أنهم غير مؤهلين لهذه المهمة (أي النقد) وبالتالي من الأحسن لهم أن يلزموا جحورهم، لأنهم يساهمون في تدمير مجتمعهم بما فيها مصالحهم ومصالح أبنائهم وأحفادهم دون أن يدروا ذلك.
أو أنهم يعون جيدا مهمة النقد، ولكنهم يعمدون إلى تمويه الحقيقة والتشويش عليها والهروب إلى الامام خوفا من افتضاح خططهم القذرة وانقشاعها لعامة الناس، أو أنهم يفعلون هذا دفاعا عن مصالح استرزاقية وضيقة وانتفاعية يستفيدون منها بشكل ضيق على حساب مصالح الجماهير العريضة للمجتمع.
فعندما أقول حزب “X” مسؤول عن فضيحة / جريمة/ مؤامرة ما، فلأنه هو المسؤول عن تنزيلها وتنفيذها، وعملية التنزيل والتنفيذ تتم بتمويل من أموال ضريبتي وأن نتائج هذا التنفيذ ستلحق بي وببقية أفراد المجتمع وبأبنائنا وأحفادنا جميعا أضرارا مادية ومعنوية كارثية..
وعندما أحشر أو أقحم اسم لشخص ذاتي في الموضوع، فلأن هذا “الفلان” هو المسؤول على هذا الحزب أو الوزارة أو الجماعة أو أي مؤسسة مهما كانت، ولكنني لم أتطاول على الخوض في الحياة الخاصة لهذا الشخص أو ذاك…لأن مهمة النقد تقتضي التركيز على الفكرة / المشروع وتنبيه صاحبه (ها) بأنه سائر في طريق محفوف بالمخاطر، وتوجيهه نحو الطريق الصحيح بواسطة آلية النقد، وإبراز عيوب ومساوئ ومخاطر فكرته أومشروعه دون التطاول على حياته الخاصة أو الانجرار نحو هذا المنحى.
وهذا هو مربط الفرس الذي لا يقبله العديد من الناس، لأنك بمجرد ما تبرز مساوئ فكرته أو مشروعه، يبدؤون بتوجيه اتهامات رخيصة وحقيرة لشخصك….
وهذا في حد ذاته مؤشر يدل على أن جزء كبير من مجتمعنا لم يرق بعد إلى مستوى النضج الفكري والوعي السياسي والاجتماعي الراشد.