إستمر في صمته ليودعها وهو ينظر إليها بالتابوت.

دخل شاب إلى محاضرة في مادة القانون، كانت جميع المقاعد مليئة ولم يجد إلا مقعدا واحدا فارغ بجانب فتاة، جلس الشاب إلى جوارها وأخذ يسترق النظر إليها، كانت فتاة جميلة شعرها ناعم وطويل، تمنى الشاب في داخله أن يتعرف عليها أو حتى أكثر من ذلك، أن يحبها وتبادله هي الشعور، ولكن هي لم تكن تنظر إليه بنفس نظراته وهو يدرك ذلك جيداً، بعد إنتهاء المحاضرة إقتربت من الفتاة وسألته عن بعض الملاحظات عن المحاضرة التي فاتتها في اليوم السابق، فأعطاها الشاب الملاحظات، شكرته الفتاة وانصرفت .. أراد الشاب ان يكمل حديثه معها، تمنى لو يخبرها أنه معجب بها ويريد التعرف عليها، ولكنه كان خجول جداً .
مرت الأيام وكان الشاب يتعمد دائماً أن يجلس بجانبها في جميع المحاضرات، ويقدم لها أي مساعدة تحتاجها، نمت صداقة بينهما وأصبحا مقربان جداً من بعضهما، توغل حبها في قلبه وكيانه ولكنه كان يدرك جيداً أنه مجرد صديق بالنسبة إليها، وهكذا استمرت العلاقة بينهما دون أن يصرح لها بحقيقة مشاعره نحوها .. وفي يوم من الأيام جاءت الفتاة وهي تبكي وتشكو إليه عن حبيبها الذي حطم قلبها وتركها، وطلبت منه المساعده لأنها لا تريد أن تبقى وحيدة، أسرع الشاب إليها وبدأ يتحدث معها ويحاول ان يجعلها تبتسم بأي طريقة، شاهدا معاً فيلم رومانسي، جاء المساء فشكرته الفتاة وودعته .
إنتهت السنة الدراسية وجاء موعد حفلة التخرج، وكان الصديقان قد اتفقا معاً أنه إن جاء موعد التخرج سوف يذهبان معاً ولكن فقط بصفتهما أصدقاء .. وبالفعل ذهبا معاً إلي الحفلة وأوصلها الشاب إلى باب منزلها في نهاية الحفلة، أخبرته الفتاة أنها قضت معه ليلة جميلة واستمتعت كثيراً، ولكنه لم يستطع أيضاً ان يخبرها أنه يحبها كثيراً .
تخرج الصديقان ومرت السنوات و مازالا على العهد، جلس الشاب على أحد المقاعد في حفل زفافها وهو يشاهدها في ثوبها الأبيض الجميل وهي تجيب : ” أنا أقبل “، وزوجها يقبلها، تمنى الشاب لو انها كانت له، ولكنه استمر في صمته …
مرت العديد من السنوات الأخرى وجلس الشاب الذي أصبح رجلاً عجوزاً الآن ينظر إلى التابوت الذي وضعت فيه حبيبته، وهو يبكي حزناً على فراقها والوقت قد مر، وخلال الصلاة عليها قامت إحدى صديقاتها بقراءة مذكراتها التي كتبتها خلال المرحلة الثانوية، وكان هكذا : ” أنا أحدق به اتمنى ان يكون لي لكنه لا ينظر إلي كنظرتي له, وانا اعرف هذا. اردته ان يعرف, اردت ان اقول له اني لا اريد ان نبقى مجرد اصدقاء، انا أحبه لكن انا خجولة جداً, ولا اعرف لماذا. انا اتمنى ان يخبرني انه يحبني ” .. حينها قال الشاب في نفسه : لقد تأخرت .. تأخرت كثيراً .
محمد أسامة الفتاوي
جميع حقوق النشر والتأليف محفوظة
تعليقات 0