جريدة نبأ نيوز

عندما يكون الناخب فريسة سهلة لمن يدفع أكثر فالديمقراطية بريئة من المنسوب إليها!!؟

كثيرا ما تتردد كلمة الديمقراطية في خطب زعماء الأحزاب السياسية والهيآت النقابية، وكثيرا ما أصبحت تتداول أيضا في خطب واجتماعات جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، لا سيما المنظمات التي تنشط في مجال حقوق الإنسان، وبالقدر نفسه تتكرر هذه الكلمة بشكل ملفت في خطب ومحاضر المؤسسات والهيآت المنتخبة، بل أصبحت معظم هذه الكيانات المؤسساتية تمارس نشاطها وأعمالها باسم الديمقراطية نفسها.
بينما أنا أحرر هذا المبحث، فإذا بسلسلة من التساؤلات تنبعث من ذهني: ما هي الديمقراطية؟ ما هي أشكالها، أنماطها وصورها؟ ماهي الديمقراطية التي نريد لمجتمعنا ؟ وماهي أساليب وآليات تفعيلها؟ وهل يوجد للديمقراطية أسلوب وآليات موحدة، أم أنها تختلف من مجتمع لآخر؟ ولماذا يصر المعسكر الغربي على إعمال الديمقراطية في المجتمعات النامية أكثر من غيرها؟
هذه التساؤلات قد تبدو للبعض بديهية جدا، وقد تبدو متجاوزة بالنسبة لبعضنا!!
وقد تبدو للبعض الآخر أساسية وضرورية لبناء مدخل للإجابة على كل الأسئلة الشائكة المرتبطة بالديمقراطية وما تحمله هذه الأخيرة من دلالات فكرية وثقافية وما يمكن أن تتركه من وقع وأثر على المجتمع، ولكنها تبقى في آخر المطاف تساؤلات مشروعة!!
إن المفهوم التقليدي والكلاسيكي للديمقراطية، يعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، بمعنى آخر أن الشعب هو الذي يختار من بين أفراده من يحكمه وفق قوانين وآليات تتوافق عليها مكونات هذا الشعب نفسه.
هذا المفهوم يقودنا بشكل بديهي إلى القول بأن مصير الشعب يصبح أمانة على عاتق الأشخاص الذين يتم إختيارهم من قبل هذا الشعب من بين أعضائه عبر آلية الديمقراطية.
ومادام أن الديمقراطية تفرز لنا نخبة تتولى مسؤولية تدبير شؤون هذا الشعب من ألفه إلى يائه، فإنه من الحكمة أن نتساءل عن معايير ومواصفات أفراد هذه النخبة؟ هل يجوز لأي فرد من أفراد الشعب أن يرشح نفسه لتحمل وزر هذه المسؤولية أم نترك الخيار للديمقراطية لتفرز لنا من تشاء؟
لنفترض جدلا أن الديمقراطية إختارت نخبة غير مؤهلة فكريا ومعرفيا لقيادة شؤون المجتمع وتدبيرها؟ كيف سيكون مصير الشعب لو أصبحت هذه الفرضية حقيقة؟ وعندما نتحدث عن المؤهلات الفكرية والعلمية، فإننا لا نتحدث بالضرورة عن حاملي الشواهد العليا، بقدر ما نتحدث عن المؤهلات الأخلاقية والمؤهلات الناتجة عن تراكم التجارب والوعي بالمصالح القومية.
وبناء على ذلك، ولكي تكون عملية الديمقراطية صحيحة وسليمة وناجعة وذات نتائج متميزة، ينبغي بالضرورة أن يخضع الأشخاص الراغبين في ترشيح أنفسهم لمعايير ومواصفات دقيقة جدا، بعيدا كل البعد عن العاطفة المندفعة والتعصب، وإلا فإن فرص التقدم والتطور والازدهار تصبح في وضع غير مطمئن.
وهذا الأسلوب يجب أن يطبق على وجه الخصوص في المجتمعات النامية التي لازالت تعاني من آفات الأمية والفقر والتخلف والجهل والأمراض الاجتماعية الأخرى، لأن ترك المجال للصناديق الزجاجية في ظل مجتمع يعاني أفراده من هذه الآفات لن يكون في صالح التقدم والتطور والتنمية ، لأنه من السهل جدا التأثير على الفقراء والبسطاء والمعوزين من خلال إغرائهم بالأموال ، ولأنه من السهولة بمكان التأثير أيضا على الأميين سيما منهم الذين لا يتمتعون بالنضج السياسي والفكري والمعرفي الذي يعتبر شرطا أساسيا لدى الناخب لكي يتمكن هذا الأخير من تحديد الاختيار الذي يناسب قناعاته وتطلعاته المنشودة. وبما أن غالبية الكتلة الناخبة من الجماهير تنتمي إلى طبقة البسطاء من الناس ماديا ومعرفيا، فإنه من الطبيعي جدا أن يكون الناخب فريسة سهلة لمن يدفع أكثر، وبالقدر نفسه يكون فريسة سهلة للتضليل والتغليط مادام أنه بسيطا من الناحية الفكرية والمعرفية، وبالتالي مهما تكن نتيجة الصناديق الزجاجية، فإنها لا تعكس الديمقراطية الحقيقية ولا يمكن أن تسير في اتجاه الآمال المنشودة، وهذا يعني أن الديمقراطية بريئة من المنسوب إليها في مثل هذه الحالات.
إذا كانت الديمقراطية هي أنجع وسيلة يتم استعمالها من قبل أبناء مجتمع ما لاختيار من يمثلهم وينوب عنهم ويرعى مصالحهم ويخطط لمستقبلهم التخطيط المعقلن، فإن مفهوم الديمقراطية يصبح بعد عملية الفرز آلية من آليات تدبير شؤون المجتمع وإدارة شؤون الحكم على أساس البرامج الانتخابية، وهذا يعني أن عملية تنفيذ هذه الأخيرة يتطلب التزاما أخلاقيا وقدرات فائقة على الحركية والإبداع والابتكار والخلق في كل المجالات وعلى مختلف المستويات والأصعدة.
ولكي تتم عملية التنفيذ وفق هذه الوتيرة وهذه الأسس، ينبغي على النخبة التي تفرزها صناديق الاقتراح أن تتمتع بمؤهلات وقدرات تمكنها من القيام بهذه المهام.
وهذا يقودنا بشكل منطقي وعلمي إلى القول بأن الديمقراطية هي عملية إبتكار رؤى وتصورات تمكن الهيأة الناخبة من تنفيذ برامجها بشكل صحيح وسليم وقادرة على إحداث تغيير داخل المجتمع بالشكل الذي تلمسه مكونات هذا الأخير في حياتها اليومية. وأعني ب”التغيير “هنا، القدرة على إحداث تطور ونهضة مجتمعية شاملة والقدرة على خلق الثروات وتحصين مناعة كرامة المواطن وكرامة البلد..