جريدة نبأ نيوز

العربُ من أرقى الأمم في علوم البلاغة والبيان

بقلم محمد أسامة الفتاوي ،

في ماضيها وحاضرها واجهت لغتنا العربية الجميلة تحديات كبيرة وفي كلّ مرة تتخطى اللغة العربية ما يواجهها بفضل العناية الإلهية وبجهود القائمين عليها ممن نذروا أوقاتهم في تعليمها وتدريبها وحفظها من كلّ شيطان مارد . في ماضيها البعيد كان العرب يتقنون فنونها المتعددة من شعر وبلاغة وخطب ورسائل وغيرها من الفنون الأخرى , حتى بعد أن وصف العربُ بالجاهلية لم ينفذ الوصف إلى جهلهم باللغة ومكنوناتها وغريبها وأسرارها , بلْ كان الجهلُ بالدين والقيم السماوية .
وعدا ذلك الجهل كان العربُ من أرقى الأمم في علوم البلاغة والبيان وعلى مستوىً راق ٍ في جميع فروع اللغة وتشعباتها وكان العرب قد ركزوا اهتماماتهم بصناعة الشعر بشكلٍ لا مثيلَ له حتى بلغت ذروة ذلك الاهتمام تعليق بعض قصائدهم المشهورة على أستار الكعبة بعد كتابتها بماء الذهب وعرفت بعد ذلك بالمعلقات وكذلك احتفال القبيلة التي يولد فيها شاعر لاعتبارات عديدة منها أنّ هذا الشاعر سوف يكون فيما بعد وسيلة إعلام قوية لقبيلته يفاخرُ بأمجادها ويؤرخُ انتصاراتها وأيامها , فكانت الأخبار تطير من أرض إلى أخرى بواسطة الشعر والشعراء , وبالرغم من اختلاط العرب في جاهليتهم بالكثير من الأقوام الأعجمية في حلّهم وترحالهم ولم يتأثر اللسان العربي ولم تلحقه لكنةٌ أو لحنٌ يسري إلى جوهر اللغة وإن حصل ذلك فإنه نسبي ليس له تأثير يُذكر بسبب وجود دعائم وركائز قوية اعتمدت عليها العربية في نشأتها , وأمّا تعدد اللهجات العربية عند بعض القبائل والتي عرفت فيما بعد بالكشكشة والعنعنة والطمطمانية وغيرها…. فهي لاتتعدى كونها لغات محلية يتداولها أفراد قبيلة معينة داخل حدود قبيلة معينة , أجل حدود القبيلة ولا يتعدى تداولها خارج حدودها . وعند مجيء الإسلام عزز الباري عزّ وجل دور العربية في المجتمع المسلم إذ إن القرآن كان بلغة العرب لاعتبارات عديدة ومنها ما جاء في القرآن الكريم ( لتنذر قوماً ما أنذرَ آباؤهم من قبل فهم غافلون ) وحكم العقل أن يكون لسان المنذر هو لسان المنذرين يفهمون ما يقول حتى يكون عليهم حجة دامغة قال تعالى (ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) يقول محمد جواد مغنية (قدس) في تفسير هاتين الآيتين في تفسيره المختصر (المبين) ما نصّه ( لو نطق بهذا القرآن العربي أخرس أو جاهل باللغة العربية كمعجزة خارقة على صدقه … لأبى المعاندون إلاّ كفورا.. (التفسير المبين الشعراء/430) وهكذا شاءت القدرة الإلهية أن يكون الناطق بالقرآن أفصح من نطق بالضاد (صلى الله عليه وآله وسلم) عارف بأسرار العربية وغريبها وتعدد لهجاتها بالشكل الذي لم يكن غيره أعلم بذلك , ينقل مصطفى الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية الصفحة / 317) ما نصّه( حتى قال له الإمام علي (عليه السلام ) وقد سمعه يخاطب وفد بني نهر يا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال عليه الصلاة والسلام أدبني ربي فأحسن تأديبي ) .
غايتي في هذا الاستطراد التأكيد أنّ القرآن نزل بلغة العرب التي يعرفونها في أشعارهم وبلاغتهم الراقية ولذا وقف بعض المشركين باديء الأمر من القرآن وقفة عارفٍ متفحص وحاول تدبر كلمات القرآن من جميع وجوهها البلاغية فمنهم من آمن بعدما أعيته الحيلة وداخله الإيمان ومنهم من ركب عناده ومات على كفره وقصة الوليد بن المغيرة ووقفته بوجه كلمات الله خير دليل على ما أقول .

إنّ التحديات القرآنية لأرباب الفصاحة والبلاغة قد رفع من سمو اللغة العربية وقدرها وبقيت معززة في غهد الرسالة مصدر الإسلام الأول ولكن بعد انتشارالإسلام ودخول الأمم الأعجمية في الإسلام ولحن بعضهم نتيجة هذا الاختلاط فتصدى لهذا الأمر نخبة من العلماء الأجلاء فوضعوا دستور العربية وقواعدها من خلال خبرتهم في تحصيل اللغة من مواطن الفصاحة في جزيرة العرب فلمعت أسماء عديدة أشهرها الخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه البارع سيبويه النحوي الشهير صاحب (الكتاب ) الذي أسماه بعض علماء العربية (قرآن النحو) . بعد ذلك مرّت العربية بمراحل نمو وثراءٍ كبيرين فتعددت مدارسها البصرية والكوفية والبغدادية والحجازية والمصرية والأندلسية وإن كانت جميع المدارس النحوية تدور في فلك المدرستين البصرية والكوفية … إلاّ إنّ الأمور لاتبقى على حالها ودوام الحال من المحال كما يقولون فجاءت الموجات المغولية التي قطّعت أوصال الأمة وسقوط بغداد عاصمة الحضارة دمّر كلّ شيء وإن حاول العلماء في تلك العصور التصدي لظلال الهجمات ونتائجها الخطيرة إلاّ إنّ العربية بقيت على حالها بعيدة كلّ البعد عن الدرس النحويّ المبسط الذي لا يختص بالخاصة من العلماء أو طلبة العلوم الدينية , وتفشي اللغة الدارجة (العامية) كالوباء ينهش في جسد الأمة وازداد الأمرُ سوءاً بعد سيطرة الدول الاستعمارية على بقاع العالم المختلفة ومنها سيطرتهم على الأمة العربية والإسلامية ومحاولة المستعمر الجديد طمس اللغة العربية بكامل آثارها ونشر لغته بكلّ الوسائل الشيطانية الحديثة فشاعت سياسة التتريك والفرنسة وشياع الإنكليزية في معظم البلدان التي وقعت تحت سيطرة (المملكة المتحدة) والأدهى من ذلك غياب الدرس النحوي المبسط بشكل شبه كامل وانتقال مفردات عديدة من أصول تركية وفرنسية وانكليزية الى لغتنا العربية الجميلة ونشأ في ظل السيطرة الاستعمارية جيل وجدة نفسة في مفترق طرق ولامناص من الخلاص الا بالرجوع الى ربوع العربية والتي يقرؤنها كل يوم في صلواتهم وادعيتهم وهذا الرجوع هو من قبل العناية الالهية التي تكفلت بحفظ العربية من خلال حفظ (( القران الكريم )) (( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون )) اقول ان التلازم وثيق بين العربية والقران الكريم الذي حفظ لنا العربية بالدرجة الاولى ولكن تبقى ماهية الحفظ خاصة ومختلفة عما يريده القائمون عليها وخصوصا الرجال الاوائل الذين قعدوا قواعد اللغة العربية ناهيك عما يريده القائمون عليها الآن من تبسيطٍ لمختلف فنونها بشكلٍ يفهمه الدارس ويعشقه الطالب ويجلعهما لايملان من تعلم اللغة وقواعدها … وحتى يحصل ذلك الدعوة قائمة لتبسيط الدرس النحويّّ والتشجيع على الإقبال عليه عبر استخدام الوسائل الحديثة في الشرح والإيضاح في مختلف مقاعد الدراسة …. وأخيراً أنقلُ إليك نصّ ما قاله محمد جواد مغنية (رحمه الله) في فضل العربية في تفسير هذه الآية المباركة ( إنّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) :
(وفي هذا إيماءُ إلى مَنْ يجهل اللغة العربية يتعذر عليه أو يتعسر أن يعقل الإسلام على حقيقته وبعقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه وحبذا لو أن المراجع الدينية في إيران والعراق خصصوا مبلغاً من الأوقاف العامّة والحقوق الشرعية لانتشار اللغة العربية وبناء كليات لهذه الغاية في البلاد الإسلامية وفي كلّ بلد فيه مسلمون من غير العرب , ولا أعرف خدمة ً للقرآن أجل وأعظم من هذه , وهل أحدٌ يشكّ في أنً إحياء اللغة العربية إحياء لكلام الله سبحانه والعكس بالعكس ) …..