مجلس الأمن يعتمد قرارا تاريخيا يكرس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية

د محمد أسامة الفتاوي – نبأنيوز
يُعدّ الجمعة 31 أكتوبر 2025 ، يوما تاريخيا. فهو يمثّل حدثا هاما في تاريخ المغرب المعاصر، ويعزز رؤية جلالة الملك محمد السادس وعزمه على حل النزاع المفتعل في الصحراء. وقد حدث هذا التحول في قضية الصحراء بنيويورك، وتحديدا في مقر الأمم المتحدة.
بعد مراجعته ثلاث مرات وخضوعه لمناقشات طويلة داخل مجلس الأمن منذ تقديم مسودته الأولى يوم 22 أكتوبر، تم اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2797 بشأن الصحراء يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، بأغلبية 11 صوتا مؤيدا و0 صوتا معارضا، فيما امتنع 3 عن التصويت.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا لم تستخدم حق النقض ضد القرار، خلافا لتكهنات أبواق النظام الجزائري منذ عدة أيام. كما تجدر الإشارة إلى أن الدولتين الممثلتين لإفريقيا في المجلس، أي الصومال وسيراليون، صوتتا لصالح القرار. أما الممثل الإفريقي الثالث، الجزائر، وهي الطرف الرئيسي في النزاع، فقد اختارت مقاطعة التصويت كما هو متوقع.
ووفقا للمادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة، يتطلب إقرار نص القرار 9 أصوات على الأقل من أصل 15 صوتا، بما في ذلك أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. ومن شأن استخدام حق النقض أن يحول دون اعتماد القرار. لكن لم يكن هذا هو الحال يوم الجمعة، وتم إقرار النص. وهو ما يشكل صفعة للجزائر، التي بذلت، حتى اللحظة الأخيرة، كل ما في وسعها لعرقلة القرار، أو على الأقل تغيير جوهره. ولكن خاب مسعاها.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المغرب لم يحصل على الحد الأدنى المطلوب فقط، وهو تسعة أصوات، لاعتماد القرار. بل أيدت 11 دولة مقترح الحكم الذاتي، الذي قدمه المغرب كأفق وحيد لنزاع الصحراء. وقد نجحت المملكة المغربية في مواجهة تحدي اعتماد القرار المتعلق بالصحراء داخل مجلس الأمن.
حكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية
التغييرات القليلة التي أُدخلت على المسودة الأولية للقرار، والتي تولت الولايات المتحدة صياغتها باعتبارها صاحبة القلم في ملف الصحراء، اقتصرت على الشكل وبعض العبارات. أما الجوهر، فقد بقي على حاله، وغيرت جذريا جميع المرجعيات التي كانت تحكم سابقا معالجة القضية. ويكرس نص القرار مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع، مستبعدا بالتالي جميع المقترحات الأخرى. في ديباجته، الفقرة 4، ينص القرار على أن مجلس الأمن أحيط علما بـ«الدعم الذي أعربت عنه العديد من الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي، المقدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007، كأساس لحل عادل ودائم ومقبول من الطرفين للنزاع». وفضلا عن ذلك، يؤكد مجلس الأمن أن «الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق»، ويؤكد على التزام أعضاء المجلس بتسهيل التقدم في هذا الاتجاه. وهكذا، فإن السيادة المغربية على الصحراء الغربية أصبحت مكرسة بشكل لا لبس فيه في قرار صادر عن أعلى هيئة تقريرية في الأمم المتحدة.
إن الكلمات لها وزنها. فهنا، يعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل مرجعي، هو الحل الوحيد القابل للتطبيق. أما تقرير المصير عن طريق الاستفتاء، فلم يذكر البتة في نص القرار، فقد أُقبر بشكل نهائي. الإطار الشرعي الوحيد لحل النزاع هو الإطار المغربي. لم تعد السيادة المغربية فرضية، بل أصبحت العنصر المعياري للحل السياسي. إن عبارة «قد يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق» تخفف من حدة هذه العبارة دبلوماسيا، ولكن في دبلوماسية الأمم المتحدة، تعتبر هذه الصياغة بمثابة تأييد واضح. لم يعد النقاش المستقبلي يدور حول من يملك السيادة، بل حول كيفية تطبيق الحكم الذاتي في إطار هذه السيادة. يمثل هذا تحولا في مقاربة الأمم المتحدة، إذ تحول المغرب من «طرف في النزاع» إلى صاحب السيادة الشرعي.
من جانبها، تنبع الشرعية الدولية من «الدعم الذي أعربت عنه العديد من الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي». وبناء على هذا الأمر، يلزم النص الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي بـ«تسهيل وإجراء مفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي بهدف التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة ومقبولة من الطرفين للنزاع، وفقا لميثاق الأمم المتحدة». ويرحب القرار بـ«أي مقترح بناء قد يصوغه الطرفان استجابة لمقترح الحكم الذاتي المذكور».
ترد هذه الجملة في الجزء الملزم والتوجيهي من نص القرار، على اعتبار أن الديباجة إعلانية. وهذا يعني أن مجلس الأمن يعطي توجيها واضحا لعملية التفاوض ويحدد الإطار الذي يجب أن تجرى فيه هذه المفاوضات الآن. إنه تفويض سياسي قوي للعمل في اتجاه محدد، اتجاه قائم على مقترح الحكم الذاتي المغربي.
إن حث مجلس الأمن للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي على «إجراء مفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي» أمر بالغ الأهمية. فهذا ليس «مقترح حكم ذاتي» مجرد، بل هو مقترح المملكة المغربية، فهو مخطط وطني وسيادي. في لغة الأمم المتحدة، هذا يسمى حدود التفويض أو الإطار الذي لا يجب تجاوزه. وقد قرر مجلس الأمن أن يستند إطار المفاوضات إلى مقترح الحكم الذاتي الذي صاغته المملكة المغربية.
وهذا اعتراف بالمغرب كفاعل محوري وحامل موثوق وشرعي للحل. وبما أن المفاوضات يجب أن تستند إلى المخطط المغربي، فإن هذا يستبعد عمليا أي سيناريوهات أخرى كحلول ممكنة. وهذا أمر مفروغ منه. فعندما يعلن مجلس الأمن أنه «يرحب بأي مقترحٍ بناء قد تصوغه الأطراف ردا على مقترح الحكم الذاتي المذكور»، فهذا يعني أن المقترحات الإيجابية والواقعية المتوافقة مع إطار الحكم الذاتي هي وحدها المقبولة. فأي مقترح مثل الاستفتاء، وأي مبادرة تمس بسيادة المغرب، تستبعد تلقائيا. وبالتالي، تشكل كلمة «بناء» غربالا دبلوماسيا يزيل كل المقترحات أو المبادرات الماسة بالسيادة المغربية، وعبارة «ردا على مقترح الحكم الذاتي المذكور» تحدد نطاق المقترحات في إطار الحكم الذاتي.
كل الأطراف معنية، وعلى رأسها الجزائر
إذا كان القرار 2024 قد كرس «الزخم» للمغرب، بفضل الدعم الدولي الكبير لمخطط الحكم الذاتي، يتحدث القرار 2025 عن «الدفعة» و«فرصة غير مسبوقة» لتحقيق سلام دائم. «جميع الأطراف» مدعوة للمشاركة في هذه العملية. لا يشير مجلس الأمن أبدا إلى «طرفين»، أي المغرب وجبهة البوليساريو، بل إلى «جميع الأطراف»، بما في ذلك موريتانيا، ولكن أيضا، وبشكل خاص الجزائر.
والدليل على ألوية مخطط الحكم الذاتي، ذُكر المغرب خمس مرات في القرار، مقابل مرة واحدة للجزائر ومرة واحدة لجبهة البوليساريو. إن ذكر المغرب عدة مرات، بينما ذُكرت جبهة البوليساريو والجزائر مرة واحدة فقط، يعكس تركيز القرار على المغرب كطرف محوري ذي مصداقية، مع التقليل من شأن دور الأطراف الأخرى. إن ذكر جبهة البوليساريو والجزائر مرة واحدة فقط، وبالعبارات نفسها، يمثل تحولا كبيرا. فهو يضع الجزائر على مستوى المسؤولية نفسه الذي تتحمله جبهة البوليساريو، وهو ما يعد اعترافا بها كطرف حقيقي في النزاع.
غاية مجلس الأمن هو أن تتوصل «جميع الأطراف» إلى حل سياسي نهائي يتيح «تقرير المصير»، على أساس «الحكم الذاتي الحقيقي». وهذا يغير قواعد اللعبة: لم يعد تقرير المصير مرادفا للاستفتاء، فضلا عن الانفصال، بل أصبح مرادفا لممارسة السلطة السياسية المحلية والحكم الذاتي الديمقراطي في إطار السيادة المغربية.
وعلى هذا الأساس، سينخرط الطرفان في مناقشات «دون شروط مسبقة». ومن الواضح أن هذا التعبير يهدف إلى استبعاد أي شروط مسبقة من الجزائر أو جبهة البوليساريو. الشرط المسبق الوحيد هو قبول خطة الحكم الذاتي. وفي هذا الصدد، يعرب مجلس الأمن عن امتنانه للولايات المتحدة لـ«استعدادها لاستضافة مفاوضات دعما لمهمة المبعوث الشخصي»، وهي إشارة تنبئ بالمسار المستقبلي للمفاوضات.
ما الذي سيتغير بالنسبة لبعثة المينورسو؟
سيظل مجلس الأمن متابعا لتطورات الملف، وسيدعم بعثة المينورسو. بعدما حددت ولايتها في البداية في ثلاثة أشهر، ثم ستة أشهر، مددت في آخر المطاف لمدة عام آخر، حتى 31 أكتوبر 2026. من وجهة نظر المغرب، فإن جوهر مهمة المينورسو ذو أولوية على شكلها أو مدتها. ما سيتغير هذا العام هو إصرار مجلس الأمن على إجراء إحصاء سكان تندوف. هذا طلب كرره المغرب مرارا وتكرارا، وأصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في ضوء التحول الجذري الحالي. وقد عارضت الجزائر دائما إجراء إحصاء للاجئين في مخيمات تندوف. ويعمد النظام الجزائري إلى تزوير الأرقام، ويلتزم الصمت بشأن هويات اللاجئين (مع أن الجميع يعلم أن هناك العديد من الأشخاص غير صحراويين في المخيمات) وأعدادهم.
سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تقديم مراجعة استراتيجية لمهمة المينورسو المستقبلية في غضون ستة أشهر من تجديدها، «مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج المفاوضات».
والآن؟
يمثل قرار مجلس الأمن رقم 2025، المعتمد يوم 31 أكتوبر، نقطة تحول حقيقية في قضية الصحراء. بترسيخه «الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية» كحل أكثر قابلية للتطبيق، ودعوته المبعوث الشخصي للأمين العام لإجراء مفاوضات على أساس مخطط الحكم الذاتي المغربي، ينهي النص عقودا من الوضع الراهن. يعترف بالمغرب كمقدم للحل، بينما يعترف بالجزائر كطرف رئيسي في النزاع. يتمحور إطار التفاوض الآن حول الحكم الذاتي المغربي، مع استبعاد أي بديل يمس بالسيادة المغربية. يعكس هذا التصويت الدعم الدولي الكبير لهذا المخطط، ويمهد الطريق لمفاوضات تهدف إلى تحقيق سلام دائم.
وفي الوقت نفسه، يمثل القرار نكسة دبلوماسية حقيقية للجزائر. والأدهى من ذلك، أنها بصفتها عضوا غير دائم في مجلس الأمن، وجدت هذه الدولة نفسها، شاهدة على نكستها. نقول بكل صراحة: إذا كان 31 أكتوبر 2025 انتصارا تاريخيا للمغرب، فإنه يمثل نكبة للجزائر.
ورغم كل ما استخدمته الجزائر من مناورات لعرقلة أو تعديل النص، لم تتمكن من منع اعتماد القرار. وبذكرها إلى جانب جبهة البوليساريو، وبعدما تبينت لها تفاهة احتجاجاتها، تجد الجزائر نفسها ليس في وضع لاعب مؤثر، بل مجرد خصم، مجبر على المشاركة في مفاوضات ضمن إطار لا تتحكم فيه. ويظهر هذا التصويت بكل جلاء عزلة الجزائر. فبفعل سياسة الثنائي تبون-شنقريحة الرعناء وغير العقلانية، خسرت الجزائر في نهاية المطاف حتى أقرب حلفائها، مثل روسيا.
إن الأهمية الرمزية القوية للقرار تكمن أيضا في تزامنه مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وهي حدث تاريخي في إطار استكمال الوحدة الترابية، وتسبق الخطاب التقليدي للملك محمد السادس بهذه المناسبة، والمقرر إلقاؤه يوم 6 نونبر 2025. يعزز هذا التوقيت الرسالة السياسية والتاريخية لهذا القرار الأممي، مع التذكير أيضا بيد الملك الممدودة للجزائر، والتي تم التأكيد عليها بالفعل في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، والذي دعا فيه إلى التغلب على العداوات والانخراط في حوار بناء. بالنسبة للجزائر، يجبرهم هذا القرار على الاعتراف بالفشل الذريع. بعد خمسة عقود من العداء العلني تجاه المغرب، والتعبئة الجماعية على جميع الجبهات، وإنشاء جبهة البوليساريو، وعشرات المليارات من الدولارات التي تم إنفاقها خلال هذه العقود، يجب أن تتغير النظرة. يجبر القرار الجزائر على البدء أخيرا في التطلع نحو المستقبل. تستحق شعوب المغرب الكبير أن تتطلع إلى مستقبل أفضل.

تعليقات 0