من مراكش، د الزبير المعروفي ودة نادية الشقري يسلطان الضوء على معضلة التوازن بين “محنة المرضى” و”رعب الأطباء” في ظل غموض الإطار القانوني المنظم للعلاقة بين الطرفين.

د أسامة الفتاوي – نبأنيوز –
انعقدت بمدينة مراكش ندوة علمية دولية وازنة تحت عنوان: “منظومة الصحة في المغرب: رهانات التقاطع بين القانون والأخلاق”، بمبادرة مشتركة بين كليتي العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بكل من مراكش وقلعة السراغنة.
هذه التظاهرة العلمية عرفت تنسيقا عاما للدكتور مولاي حفيظ علوي قاديري، وتنسيقا خاصا للدكتورتين السعدية مجيدي ولطيفة قبيش، وجمعت ثلة من الأكاديميين والممارسين في مجالات القانون، الطب، والأخلاقيات، من المغرب وعدد من الدول العربية والغربية من بينها السعودية، اليمن، سلطنة عمان، العراق، البحرين وكندا.
الندوة شهدت نقاشات معمقة وثرية، حاولت رسم ملامح التداخل المعقد بين التشريعات الصحية والممارسة اليومية داخل المؤسسات الطبية، وسلطت الضوء على الإشكالات الأخلاقية التي تفرض نفسها بقوة في ظل تطور التقنيات الطبية وتغير طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض.
ومن بين المداخلات البارزة، تميزت الندوة بمساهمة علمية مشتركة جمعت بين القاضي الدكتور الزبير المعروفي، بالمحكمة الابتدائية بتطوان، والدكتورة نادية الشقري، الطبيبة المتخصصة في علم التغذية وخريجة كلية الطب والصيدلة بمراكش، حيث تناولا موضوع المسؤولية المدنية للطبيب من زاويتين تكاملتا بشكل دقيق.
ففي الشق القانوني، وقف الدكتور الزبير المعروفي على معضلة التوازن بين “محنة المرضى” و”رعب الأطباء” من تبعات الأخطاء الطبية، في ظل غموض الإطار القانوني المنظم للعلاقة بين الطرفين، وما يشكله ذلك من ضغط على ممارسي المهنة. بينما قاربت الدكتورة الشقري الجانب الواقعي، من خلال تجربتها الميدانية في عدد من المؤسسات الصحية عبر المملكة، مشددة على أن غياب الوضوح القانوني ينعكس سلبا على جودة الخدمة الطبية ويضعف ثقة المرضى في النظام الصحي.
وقد توجت أشغال الندوة الدولية بمجموعة من التوصيات الجوهرية، يمكن إجمال أهمها في ما يلي:
■ إقرار مدونة خاصة بالممارسة الطبية، تنظم العلاقة القانونية بين الأطباء، المؤسسات الصحية والمرضى، وتوضح بدقة الحقوق والالتزامات المتبادلة.
■استلهام المشرع للأحكام الفقهية والقضائية الحديثة لتقنينها، بما يعزز مبدأ الإعلام، وحسن النية، والتعاون داخل العلاقة التعاقدية الطبية.
■وضع قواعد قانونية مرنة ولكن دقيقة تضمن حق المريض في الاختيار، دون الإضرار بواجب الطبيب في التدخل الطبي العاجل.
■التأكيد على أن موافقة المريض على المخاطر الطبية لا تعفي الطبيب من المسؤولية.
■ تخفيف عبء الإثبات على المرضى، لا سيما في قضايا الخطأ الطبي أو تقصير الطبيب في واجب الإعلام.
■تنظيم الالتزام بالإعلام من خلال وضع معايير مضبوطة لمضمونه وشكله وطريقة تبليغه.
■ وضع ترسانة قانونية زجرية تميز بين الخطأ الطبي والمضاعفات المحتملة، وتضمن مساءلة عادلة للطبيب والمؤسسة الصحية.
ندوة مراكش الدولية لم تكن مجرد لقاء أكاديمي عابر، بل محطة تأسيسية قد تسهم في بلورة أرضية تشريعية وأخلاقية جديدة تنسجم مع رهانات التنمية الصحية في المغرب، وتكرس مقاربة حقوقية توازن بين حماية المريض وضمان ممارسة طبية آمنة
تعليقات 0