التسامح والسلام يجمع أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس وقداسة البابا بالمغرب

بقلم محمد أسامة الفتاوي،
من المنتظر ان يحط الرحال البابا فرنسيس يومي السبت والاحد 30 و31 مارس بالمغرب بكل من مدينتي الرباط والدارالبيضاء، مرجحة أن يزور أيضا مدينة طنجة في زيارة ستتطرق الى موضوع الهجرة، فضلاً عن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين.
لا ينكر إلا جاحد أن المملكة المغربية أرض التسامح و التعايش بين الأديان، فمنذ نشأتها لأزيد من ألف سنة و المملكة المغربية تدافع بلا هواد على مبدأ التعايش بين الأديان السماوية، فكفلت إمارة المؤمنين حق اليهودي في ممارسة طقوسه الدينية .. و حق المسيحي في ممارسة شعائره العقائدية .. و حق المسلم في أداء مناسكه و أركانه و القيام بها عبادة و معاملة دون منع أو وقف أو قهر في ذلك.
هذا ما تمثل في المملكة المغربية عبر العصور.. و في العصر الحديث وبالضبط سنة 1988 استقبل الملك الراحل الحسن الثاني رضي الله عنه و أرضاه قداسة البابا بولس الثاني، و تجسدت في هذا الاستقبال الروح السمحة التي حملها أمير المؤمنين الحسن الثاني آنذاك ودافع عنها و إذ تمثلت في قوله و فعله و في قراراته أيضاـ اليوم بعد 30 سنة يعود الكرسي الرسولي المسيحي إلى المملكة الشريفة ليجدد أوصل المحبة و الإخاء بين الديانة المسحية و الإسلام، بإعتبارهما دين خرج من مشكاة واحدة، فإن قالت المسيحية أن عيسى ابن الله فنحن نقول أن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم البتول، و رغم الاختلاف في المعتقد بين الديانتين إلا أن المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين حامي حمى الوطن و الدين ظلت تمد يدها إلى الأديان الأخرى السماوية و الأرضية فلا تكره أحدا على اعتناق الإسلام و لا تكره أحدا على اتباع أي معتقد آخر بل تدافع عن حرية التدين و المعتقد.
زيارة بابا الفاتيكان يومي 30 و 31 مارس 2019 هي محطة مهمة في تاريخ المملكة المغربية المعاصر .. و يمكن قراءة هذه الزيارة من زوايا متعددة.
أولا من الزاوية الدينية: هذه الزيارة تؤكد أن الإسلام هو الدين السمح الذي تميزت به مملكة المغربية .. و يتأكد اليوم قوة الإسلام المغربي في التفاعل الإيجابي مع باقي المعتقدات و باقي الأديان، و من خلال هذه الزيارة التي يقوم بها قداسة بابا الفاتيكان بالمملكة المغربية يسجل المغرب السبق في المنتظم الدولي بأنه دولة إسلامية متسامحة تدافع عن السلام و الأمن العالمين و تضمن و تكفل حرية المعتقد لجميع مواطنيها و رعاياها.
و يمكن قراءة هذه الزيارة من ناحية الدبلوماسية الدينية التي تلعبها إمارة المؤمنين، فباعتبار أن المسيحية هي ديانة عريقة يعتنقها أزيد من 3 مليار معتقد في العالم في القارات الإفريقية و الأسيوية و الأوروبية و الأمريكية، و هؤلاء المعتنقون لهم حب خاص لقداسة البابا و قداسة البابا له منزلة خاصة في قلوبهم و في عقولهم باعتباره يمثل الكرسي الرسولي أو نيابة المسيح عن الله عز و جل، فجميع القنوات الإعلامية و جميع المعتنقين سيتابعون هذه الزيارة لقداسة البابا إلى المغرب و سيتم نقلها عبرة مجموعة كبيرة من القنوات الفضائية بمختلف توجهاتها و لغاتها و أجناسها و سيعمق التعريف بالمغرب على مستوى جميع القارات و عند جميع الدول بمناسبة هذه الزيارة الميمونة المباركة التي تعد احتفالية كبيرة للسلم و الأمن و التعايش بين الأديان و الحضارات و تأكيد التسامح الممكن بين الإسلام والديانة المسيحية .
ثم يمكن قراءة هذه الزيارة من الناحية السياسية و خاصة في العلاقات الدولية، في الوقت الذي ننظر إلى الوطن العربي و بالأخص إلى المغرب العربي الكبير، نشهد ما تعيشه ليبيا و الجزائر و تونس و موريطانيا من صراع حول السلطة و عن النسق السياسي الذي سيحكم البلاد، نجد المملكة المغربية تحافظ على نسقها السياسي و توازنها الإجتماعي ..
من هنا فالرأي العام الدولي سينتبه إلى هذه المفارقة، المغرب يستقبل قداسة البابا ليسوق وحدة نظامه السياسي و استقراره الإقتصادي و الأمني، في حين أن الجزائر و ليبيا تعرفان حراك شعبي جماهري يهدد السلم و الأمن الداخلي من جهة و يفقدهما اعتبارية الدولة في المنتظم الدولي.
ثم من زاوية الإستثمار و الإقتصاد، يمكن اعتبار هذه الزيارة رسالة من المملكة المغربية و من إمارة المؤمنين إلى جميع المستثمرين و الفاعلين في المجال الإقتصادي و التجاري، تؤكد أن المغرب يعرف استقرار ا و أمنا يشجع على الاستثمار و التجارة، عكس ما يحدث في البلدان المجاورة مثل الجزائر أو ليبيا، و بالتالي تبقى المملكة المغربية هي نقطة مهمة للفاعل الإقتصادي و التجاري من أجل الدخول إلى أفريقيا و الاستثمار فيها بشكل آمن و وفق معادلة رابح رابح.
من خلال هذه القراءات المتواضعة يمكن أن نلخص أن زيارة بابا الفاتيكان إلى المغرب هي زيارة ذات طابع مهم و ستحمل معها طابعا تعريفيا أكثر شمولية و تفصيلية للملكة المغربية لدى باقي الدول و باقي الفاعلين و المستثمرين ..
وخلاصة،
الزيارة ستكون أيضا تأكيد لوحدة النسق السياسي في المغرب من جهة و استقرار المملكة في وضعها الداخلي و الأمنيي و الإقتصادي و الإجتماعي ثم قدرتها على أن تكون قبلة للمستثمرين و محطة للإقتصاديين الدوليين للاستثمار بشكل ناجح و آمن.
تعليقات 0