جريدة نبأ نيوز

التحرش بالمغرب بين الأسباب والأبعاد والوعظ الديني الشرس والترهيبي ومنطق التحريم

سوف لن يجد القراء والملاحظون صعوبة كبيرة في أن يربطوا بشكل آلي بين بين رئيس قسم يتحرش بموظفة تحت إمرته أو معلم سيارة التعليم يتحرش بمتدربة بدون اَي اعتبارات الاحترام وجموع الشباب الذين يلهثون وراء فتاة عصرية لمضايقتها، أو يعملون مباشرة على نزع ملابس فتاة والعبث بجسدها، وبين جموع الكلاب الضالة أو الحيوانات المتوحشة التي تستفرد بفريستها، إنه نفس السلوك، الذي يفسر بدواعي الغريزة البحتة.

والسؤال المطروح هو: أين هو تأثير الثقافة ما دام الإنسان كائنا ثقافيا ـ اجتماعيا كما يقال؟
ثمة عاملان لابد من استحضارهما بهذا الصدد:
ـ رفض المرأة في الفضاء العام.
ـ وغياب التربية الجنسية الرشيدة.
يفسّر العامل الأول بأن زرع بنيات الدولة الحديثة بالمغرب لم يواكبه تطوير وتأهيل للوعي العام للمغاربة، حتى يكونون قادرين على مواكبة تحولات واقعهم وفهمها، حيث كان من بين نتائج مسلسل التحديث خروج المرأة من البيت (أي من الحريم) ومساهمتها بجانب الرجل في الإنتاج العام، مما جعلها بكفاءتها تغزو فضاءات كانت قبل عقود فقط ذكورية بامتياز، ولقد قبل الرجال بتواجد المرأة بينهم على مضض، بسبب ما يجنونه من وراء ذلك من أرباح، حيث أصبح للمرأة راتب شهري ومدخول، وصارت مشاركة في بناء الثروة، غير أن التربية ووسائل التوعية لم تجعل الرجال يقبلون المبدأ الأساس الذي بني عليه خروج المرأة إلى الفضاء العام، ألا وهو مبدأ المواطنة، أي أن المرأة مواطنة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، فحدث قلق واضطراب كبير في مواقف الرجال ورؤيتهم للمرأة العاملة النشيطة والعصرية، حيث اضطروا إلى قبول ثمرات عملها، لكنهم لم يقبلوا أبدا التنازل لها قانونيا، كما ظلوا ينظرون إليها على أنها جسد أنثوي يتحرك في الشارع وداخل المؤسسات، محدثا الكثير من الاستفزاز للوعي التقليدي الذي لم يتطور كثيرا. وهذا يعني أن الوعي الذكوري لم يقبل بتواجد المرأة في الفضاء العام، مما دفعه إلى البحث عن مبررات يجدها طبعا في استعمال الدين، واشتراط “الحجاب” والتظاهر بعدم قبول اللباس العصري، بينما الحقيقة أن المرأة تظل موضوع استفزاز حتى ولو لبست أي نوع من أنواع اللباس التقليدي، والدليل على ذلك تزايد نسبة الاغتصاب والتحرش مع تزايد ظاهرة الحجاب والنقاب كما هو الشأن في مصر مثلا. دون أن ننسى أن اغتصاب العاملات المغربيات في الحقول أو في معامل السمك والمصبرات لا علاقة له بموضوع اللباس بتاتا.
ويسمح العامل الثاني الذي يتعلق بغياب التربية الجنسية بفهم إشكال جوهري يتعلق بنظرة الناس إلى الجسد وإلى الجنس، ففي غياب أي نقاش جدي وشفاف لموضوع العلاقات الجنسية، والاستمرار في اعتبار الفقيه وحده الذي يخول له شرعيا الحديث في الجنس داخل الحياة الزوجية، في الوقت الذي يعرف فيه المجتمع أشكالا متعددة من الممارسة الجنسية، يحدث انفجار في سلوك الأفراد بسبب الكبت من جهة، وبسبب عدم التعود على التعامل مع جسد المرأة خارج الهياج الحيواني، وبهذا الصدد لا بد من التذكير بتجربة علماء الانثروبولوجيا التي أثبتت بأن الحيوان نفسه يعيش نوعا من الترويض والتربية في الوسط الحيواني أو في علاقته بالإنسان، حيث تبين بأن الحيوان الذي يتم عزله كليا منذ ولادته عن المجموعة الحيوانية، وعن أي وسط، يتعامل بوحشية مع مثيله من الجنس الآخر، مما يدل على وجود مكتسبات من الوسط تنضاف إلى الطبيعة الحيوانية الأصلية.
إن التربية الجنسية هي وحدها التي تستجيب لحاجات الأفراد في المجتمع العصري، حيث تعرف العلاقات بين الجنسين انفتاحا نسبيا، بينما السماح بالاختلاط في الفضاء العام وفي المدارس دون تأهيل وعي الأفراد وإدماجهم في منظومة العلاقات الجديدة يؤدي إلى أمراض اجتماعية كالتي نشاهدها اليوم، والتي تعكس انحطاطا قيميا كبيرا، واحتقارا للمرأة لا يفتأ يبحث عن شرعنة نفسه بشتى الطرق التقليدية.
لقد سبق أن قام السيد عبد الله ساعف أيام كان وزيرا للتربية الوطنية بتوزيع موسوعة للتربية الجنسية على مكتبات المدارس، مما جلب عليه آنذاك هجوما قادته “حركة التوحيد والإصلاح” التابعة لحزب العدالة والتنمية، والتي اعتبرت أن التربية الجنسية مدعاة إلى الانحلال ونشر الفسق والفجور، واليوم يتبين بأن التربية الدينية التقليدية قد آلت إلى الإفلاس، حيث لا تستطيع استيعاب الواقع الراهن، كما يتضح بأنّ الاستمرار في الاعتقاد بأن معالجة مشاكل الشباب بالوعظ الديني الشرس والترهيبي ومنطق التحريم، أو الترويج لـ”الحجاب” أو “النقاب” قد أصبح لعبة مكشوفة وعديمة الجدوى، إذ لا تهدف إلى أكثر من التغطية على مشاكل المجتمع بغطاء سميك من تقاليد النفاق الاجتماعي والتصنع الكاذب والفصام النفسي.