ما دامت أدراج الفساد لم تغلق، التخلص من القيادات السياسية لن يحل مشاكل المواطن والوطن…
كان فى الثمانينيات بستخدم مصطلح “فتح المجر أي الدرج” وكان هذا كناية عن الرشوة، ولما كانت الرشوة من قبيل العيب فى ذلك الزمان لم يكن الموظف المرتشي ليجرؤ على طلبها، فكان عوضاً عن التصريح بذلك، يفتح درج مكتبه ليضع السائل مبلغاً من المال يقوم الموظف على إثره بحل مسألته …
ولمّا فسد الفساد ذاته لم يعد الدرج يُفتح، ذلك أن العيون والجيوب والأيدى فُتحت عوضاً عنه، وبات أمر الرشوة طبيعياً، فلم يعد يخجل منها لا القاصى ولا الدانى وعُير من لا يدفعها بنقص الفهم وفساد الدماغ ونقص الفهلوة والحداقة…
وفسد فساد الفساد بعد ان احتل الباعة الجائلين وتجار الملابس والبخور وعربات الخضر والفواكه والفخار تملأ أرصفة الشوارع ، التى قامت الدولة بتعليتها لتمنع السيارات من الاصطفاف فوقها، وباتت تلك الأرصفة غير صالحة لسير المواطنين، الذين اعتادوا منذ ذلك الحين أن يسيروا وسط السيارات فى أنهار الشوارع وكأنهم تحولوا إلى سيارات بدلا من أن يكونوا سائرين…
وفسد فساد الفساد أكثر وأكثر حتى فى الإعلام، الذى كان دوه ورسالته الأساسية هى تنوير الناس ورجال الدولة، حول الانتهاكات والخروقات، وفساد منظومات الحكم، وكل ما من شأنه أن يمس حياة المواطن البسيط، فرأينا بعض رجال الإعلام يتقاضون أجوراً خيالية أشبه بما يتقاضاه لاعبو كرة القدم المحترفين، وبات التسابق بين هؤلاء حول من يصرخ أكثر، ويتهم أكثر، ويجعل نفسه سخرية دون أن يقدم رؤية أو فكراً أو حتى دليل واضح على تلك الاتهامات، لتتحول فقرات الإعلام إلى فقرات مسلية، هدفها فى أغلب الأحيان إضحاك المشاهدين من أجل مشاهدات أكثر وإعلانات أكثر وأجور أعلى…
لا أعتقد أن المغرب سوف يستطيع أن يحل مشاكله قبل أن تُغلق كل أدراج الفساد، ولا أظن أن الحديث عن الثورات معناه فقط أن يتم التخلص من القيادات السياسية ، ذلك أن استبدال تلك القيادات بآخرى دون القضاء على الفساد، لن يحقق أي تغيير، بل إن استمرار الفساد مع امكانية الإطاحة بأي شخص أياً كان انتماؤه سوف يفتح الباب على مصراعيه لأنواع كثيرة جديدة من الفساد مادام هناك من يستطيع أن يدفع أكثر، دون أن يكون هناك رقابة حقيقية من الدولة، أوتطبيق حاسم وسيادة حقيقية للقانون…
حاول عزيزى القارئ أن تبحث عن إجابة بينما ننتظر جميعاً أن يتوقف من يثيرون العنف فى الشوارع عن سذاجتهم السياسية وتصوراتهم بإمكانية عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وقصورهم عن فهم موازين القوى فى هذا البلد، تلك السذاجة التى تجعلنا نرفضهم أكثر، لا لأننا مختلفون معهم فى الأفكار السياسية، ولكن لأننا يوماً بعد يوم نتأكد من أنهم ما كانوا أبداُ يصلحون لقيادة أو لإصلاح هذا البلد بكل ما فيه من مشاكل تحتاج إلى قدرات سياسية متفردة بل وقرار حكيم بعد أن فسد فساد الفساد…
تعليقات 0