مؤتمر حزب الاستقلال :الإنغماس والإنسحاب والإذعان وغياب الحل الإيجابي للأزمة السياسية الداخلية
طَرَح عالِم النفس لورانس كوردك مفهوماً خطيراً في مجال التواصل البشري أسماه : ” المجادلة العقيمة ” ، ليشير إلى ذلك النمط من المناقشات الذي : لا تتضح فيه الرؤى, وجهات النظر بشكل كاف، فيتسم بالتصارع والتغالب، وترك النقاش العاقل معلقا ,دون أن تفضي إلى حل حقيقي للمشكلة ، بل تنتهي باحباطات وتأزمات وتراكمات سلبية، وتستنزف الكثير من الوقت، وتزيد من إدراك التباينات والاختلافات، وتُعَقِّد إمكانية الخروج من النفق .
وتكمُن خطورة هذا النمط في كونه يمنع تحقق الفهم الدقيق للأزمة، والتواصل البنائي، ويضع العلاقات البينية لمنتسبي الحزب الواحد في دائرة العداء والقطيعة بدل الاندماج وتداول سبل الحل، والتنابز بدل التفاهم……
مؤتمر حزب الاستقلال جسد هذا الطرح بالصوت والمشهد العام والجذر العميق لهذا النمط من أسلوب حل الصراع المُعتمد من قبل المؤتمرين ( المتواصلين)، وهنا التنميط( للمؤتمرين) عكس أربعة أساليب ، الثلاثة الأولى سلبية حاضرة ومهيمنة على المؤتمريسن حسب الأصداء التي رشحت تباعا على صفحات المواقع الاجتماعية , ومنها الفايسبوك طبعا , والأخير ايجابي غائب نهائيا، فحضر : الانغماس والانسحاب والإذعان, بينما غاب الحل الايجابي للأزمة السياسية الداخلية .
• الانغماس اذا هو ذلك الاسلوب الهجومي الذي تأججت فيه المشاعر السلبية ، حيث الغضب والاستياء البالغ حد الخروج عن السيطرة، وكثرة الابتعاد عن النقاش السياسي الرصين العاقل المتعقل , والخوض في نقاشات جانبية، ومهاجمة الآخر بإطلاق الاتهامات والإهانات والتجريحات والتلميحات السلبية .
• الانسحاب هو ذلك الأسلوب التجنبي الانعزالي الذي يتجلى بالصمت لفترات طويلة قبيل المؤتمر، ورفض مواصلة التحدث حسب الأصدقاء وحسب المتداول بين المهتمين، والانغلاق ، وخلق مسافات مع الآخر، والانطفاء والقلق والتوجس والترقب، وتجنب التواصل الفعلي سياسيا، .
• الإذعان هو ذلك الأسلوب الانهزامي الاستسلامي لأعضاء المجلس الوطني حيث يتنازل كل عضو عن الرغبة بالانتصار لنفسه والدفاع عن وجهة نظره، والاكتفاء بالموافقة الخضوعية على تصورات وقناعات الآخر، دون بذل جهد في توضيح رؤيته لموضوع أسباب الأزمة واقتراح مشروع حلها وتبيان موقفه، بل الاكتفاء بالاستماع للأصداءوابداء الاقتناع .
• حل المشكلة الايجابي الغائب اذن, هوغياب ذلك الأسلوب العقلاني السياسي الحقيقي، فبينما تنطلق الأساليب السابقة من الشعور بالذاتوية، وتعمل على التعامل مع المشكلة بطرائق سلبية : الاغماس والانسحاب والاذعان اذن، قاد إلى تفاقم وتضخم أزمة مؤتمري حزب الاستقلال ، حيث تشتيت الجدل , والخروج من الموضوع المركزي إلى موضوعات جانبية بدل الهدوء والاتزان والاستقرار الانفعالي عند النقاش، وتبني هدف التوصل لحلول بنائية وايجابية مرتكزة على رؤية عميقة وتفصيلية لموضوع الأزمة, والاستماع الدقيق والتقبل الكامل لكل ما يُطرَح من تصورات واستفسارات وتفسيرات، والتداول الجدلي بطريقة سياسية وأخلاقية، والخروج ببدائل والتوصل إلى اتفاقات وتسويات والتزامات حقيقية . ليستمر الحزب….
مما يؤسَف له إنَّ الغالبية الساحِقة من مناقشات منتسبي أحزابنا– الشخصية والعامة – تنتمي للنمط العقيم، وأساليبهم في حل الصراعات تتمثل بالثلاثة السلبية، ويُمكن أن نجد عشرات الشهادات على هذه الحقيقة في الحياة السياسية لمنتسبي أحزابنا, ولذلك تجد أننا ننتقل من أزمة حزبية داخلية ,إلى أزمة أكبر، ومن مأزق إلى مأزق أعمق، ولا نتمكن بهذا من أن نعيد الاعتبار للعمل السياسي الحزبي للأسف !…..أملنا أن تقطع الأحزاب مع كل الأسباب السلبية الثلاث المذكورة أعلاه , ليحل بدلها الدافع الرابع الكفيل بالاستقطاب والثقة والمتجلي في النقاش السياسي الايجابي الذي لطالما ترقبناه بعد غياب طال.
المناقشات العقيمة .. والتواصل المُشوَّه ! السمة العامة لمؤتمر حزب كنا نعرف عنه أنه حزب الاستقلال.
تعليقات 0