جريدة نبأ نيوز

أحداث الريف إزعاج لوزراء الدولة لكنه أخرجهم من جمودهم على التدبير الذي يحيط بكلية المجتمع ،مما يؤكد أن التطاوُلَ على الأخيار يعني بدء طريق الفوضى السياسية اللاعقلانية .

لن تشك في النية الطيبة للفاعل السياسي وهو يخدم المواطنين، لكن باعث هذه الهمّة “طلب التسيد على الناس” سمّاه المتقدمون “حب الرئاسة”، وسمّاه المحدَثون “حب السُلطة”.. ولا شبهة نفاق تلحق الفاعل السياسي، إنما طبيعة العمل السياسي يبدأ بالتسيد ثم ينتهي بـ “التأله المتوحّد” مستبدا طاغيةً وحاكما محيطا!!!
أما الدولة تكون ذات سيادة مطلقة لا يعلو عليها أي قانون حتى لو كان إلهيا، ناهيك عن القانون الدستوري والطبيعي، هذا التسيد المطلق يقوم على ممارسة التغييب وإسباغ صفات الكمال الغيبية عليها: “إن كل المفاهيم البارزة في النظرية الحديثة للدولة هي مفاهيم لاهوتية مُعَلْمَنة”.
وهنا خلاصة ماحدث مؤخرا بعد حراك الريف ،الذي جعل من وزراء العثماني الجدد يلتحقون بالحسيمة دون تقصير ولا تأخير لمراقبة ومواجهة الشرارة ،إلا ان الدولة نفذ صبرها على حراك الريف، ودفعها الخوف من تمدد رقعة الاحتجاجات إلى مدن أخرى إلى إخراج الحل الأمني، الذي ظل مستبعدا من إدارة الأزمة لمدة ستة أشهر، وكانت النقطة التي أفاضت الكأس هي انتقال الاحتجاج من الفضاء المدني في الشارع إلى الفضاء الديني في المسجد، حيث لم تعتد الدولة المنافسة في هذا الفضاء الرمزي الذي تحتكر فيه السلطة الكلمة والقول في الدين وفي السياسة معا، لهذا سارع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى إصدار بلاغ ناري يعتبر ما وقع في مسجد محمد الخامس في الحسيمة سابقة من نوعها، واعتداء على حرمة المساجد، وبعده تحرك الوكيل العام للملك معلنا الأمر باعتقال ناصر الزفزافي بجنحة تعطيل العبادات، كما ينص على ذلك الفصل 221 من القانون الجنائي (طبعا لم ينتبه الوكيل العام للملك بالحسيمة إلى أن هذا الأمر من اختصاص وكيل الملك، مادمنا أمام جنحة وليس جناية «المادة 49 من المسطرة الجنائية»، وأن الأمر بالاعتقال لا يجوز في الجنح، مادامت لم توجه إلى الزفزافي التهمة بعد، وأن أقصى ما يمكن فعله هو استدعاء المشتبه به للاستماع إليه لدى الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة المختصة).
الخلاصة:
(.. إن الدور الذي يمكن أن ينهض به الإزعاج في الدولة الحديثة هو أن يخرجها من جمودها على التدبير الذي يحيط بكلية المجتمع، مؤديا إلى مزيد الظلم، تغييبا وتعبيدا؛ ولا سبيل إلى إخراجها من هذا الجمود التدبيري إلا بأن يستعيد المجتمع حريته، حتى يستطيع أن يمد الدولة بالطاقات التي تجدد تدبيرها؛ ولا تحرير للمجتمع من ظلم تسيد الدولة إلا بإحياء روح الإزعاج في الإفراد، هذه الروح التي تقضي بالصبر على العمل التزكوي والاستقلال به والإبداع في كما تقضي بأن يتحمل كل فرد منهم واجبه الإزعاجي زاهدا في السلطة لا يتحملها إلا تكليفا أو اضطرارا..)