جريدة نبأ نيوز

الحياد والمسؤولية وعدم الاعتراف بالإديولوجيات عماد مهنة الصحافة ومنبع شرفها

بقلم محمد أسامة الفتاوي،
من خلال قراءتنا للجرائد والمجلات الورقية والإلكترونية، وما نطلعه على وسائل الإعلام، السمعية والمرئية، يتضح لنا جليا بأن الصحافة هي سلطة في خدمة العباد، وتعمل على الإرشاد ومن أجل التنبيه، وتوجيه الرأي العام، كما يبدو لنا ومن خلال ما يكتبه الصحفيون على صفحات الجرائد وأعمدتها وبحسب خطهم التحريري، وانتقاداتهم للمسؤولين بأن جميعهم يدعون النزاهة والشفافية ومتحمسون لفضح الفساد، ويسعون لخدمة البلاد، لكن يجب علينا أن نفرق بين الصحافة الجادة والنزيهة ذات الصدقية، والتأثير على الرأي العام، والصحافة الصفراء المختصة في التشهير، والموضوعة للإستهلاك، وليس لتوجيه الرأي العام.
فعلى غرار صحفيون بلا قيود، فهناك أيضا صحفيون مقيدون ومساجين، ليس لهم حس بالمسؤولية، ولا يملكون أي سلطة معنوية، وهم صحفيون منتمون ومنحازون، وكل منهم حسب ميوله ولونه السياسي، فهم يعملون كبيادق وأبواق، وأقلامهم يوظفونها للضرب تحت الحزام، في حق شخص، أو جماعة، أو حزب، يتخندقون مرة في موقع الدفاع ومرة أخرى يتموقعون في الهجوم، فتجدهم يتلصصون ولا تغمض لهم جفون مخافة أن تسجل ضدهم أهداف، ورغم أن الصحافة جسم واحد، إلا أننا نجد الصحفيين يحقدون على بعضهم فبعدما كان الصراع والتنافس هو بين الأحزاب السياسية، صار اليوم الصراع بين الصحفيين ذاتهم، وهذا التناحر الصحفي تلعب فيه الإنتهازية والمصالح، والأنا والطمع، والجشع، دورا رئيسيا، إلى أن يصير البقاء للأقوى، الله ينصر من اصبح.
الصحافة هي السلطة الرابعة، وهي من تمثل المعارضة، يجب أن تكون في صف واحد وفي حياد وتحدي، ومن أجل التنبيه والنقد البناء، وكشف الإختلالات السياسية والتدبيرية، والعمل على محاربة الفساد بكل أشكاله وأنواعه، الصحافة هي ثقافة مبادئ، رأس مالها قلم، ولا تحتاج إلى أموال، فلكتابة موضوع أو تحرير مقال، فالأمر لا يلزمك مالا، بل الموضوع يحتاج إلى جراة وثقافة التفكير والإنصات إلى الضمير، لكن للأسف اليوم الصحفي أصبح دوره شوفينيا وكأنه ممثلا أو فنانا في مسرح حيث يميل وينحرف ويطبل ويزمر ويرقص ويغني وكأنه بوق يردد ما يملى عليه، فالصحفي الحر قلمه هو سلاحه وذخيرته أفكاره يلزم الحياد ليس له خطوط ولا يعترف بالإديولوجيات، إسلامي، علماني، يساري، ليبيرالي، فلا شأن له في انتماءاتهم وعليه أن يضعهم في نفس السلة، ويبقى على مسافة واحدة عنهم، ويدع الحسابات الضيقة وراءه، هو هكذا الصحفي الحر المحايد والمتحكم لضميره.
الفشل السياسي هو من تقاعس الصحفيين والخادمين لأجندة الغير وبعدم الإنصات إلى الضمير فالصحفي يتحمل نصف من مسؤولية هذا الفشل السياسي، والحكومي، لأنه لم يجرأ على فضح الفساد، لانشغاله في خدمة الأحزاب، فلا نجاح حكومي دون أن يكون الصحفي دافعا أساسيا للتنمية، محفزا للقرارات الناجحة، فاضحا لكل قرار فاسد، ممثلا للمعارضة البناءة ينتقد الحكومة، ويدافع عن المواطن، ويجتهد لكل ما فيه مصلحة البلاد والعباد.
الصحافة أو الإعلام تعني إيصال الخبر إلى عموم المواطنين بكل موضوعية، دون إضافة أو نقصان، والتي لن يكون لها أي تأثير سلبي على المجتمع، هي فاعل أساسي في الحياة العامة الوطنية، وشريك لا محيد عنه في بناء الصرح الديموقراطي، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى، بمثابة السلاح الذي يعتد به في المعارك، وغدت أعظم المعارك ضراوة، تلك التي تخاض من أجل كسب رهان الرأي العام، الحياد والمسؤولية هما عماد مهنة الصحافة ومنبع شرفها، وعلى الصحفي أن يمارس مهنته بإقدام وحكمة، وموضوعية، متحليا بالفضيلة المثلى، المتمثلة في الرؤية وعمق التبصر.