مابين التفكير في بناء غد أفضل وبين التشبت بالتخلف ،نخبة الأمس و ضياع الهوية.
بقلم محمد أسامة الفتاوي ،
إن حالة المسخ الحضاري التي تعيشها اليوم نخبة هذا الوطن في الصميم، رغم مظهر خارجي يوهم بالبقاء على الأصالة و رسوخ التميز، يزيد شدة كلما اتسعت دائرة انحسار الهوية و تلاشي المنطلقات و تداعي المرتكزات.
فهذه النخبة التي توحدت في هذا الاتجاه بمشاربها و اديولوجياتها المتعددة قد ساعدت في إضعاف مناعة مواطني بلدها بما تسببت فيه من إفقادهم مرتكز التوازن و مبعث الثقة حتى باتوا أمام متطلبات حاضرهم الصعب و مستقبلهم القاتم كأوراق الشجر تتساقط عندما تيبس فتهب نفسها للرياح تذروها في كل الاتجاهات و تسلمها لعيدان المكانس تزيلها و لأفواه المزابل تلتهمها.
و قد كان للانبهار بهذا القادم كذلك دورا خطيرا في إعداد هذه النخب للوثب من فوق محطة التاريخ التي هي على علاتها هي وحدها من يحدد الاتجاه ويسبر أغوار الطريق حتى يكون سالكا.
أما و لم تظهر بعد مؤشرات على حصول هذه القراءة فإن حالة الأحزاب الراهنة لا تدل على كبير سعي إلى عمل سياسي من شأنه استغلال الديمقراطية التي انتسبت موريتانيا و بصفة ما إلى ناديها الذي يتوسع بفعل وعي الشعوب. و لكن على العكس من ذالك فإن الذي تبدو عليه كل هذه الأحزاب و تلك التي أفرزتها، بعد تواصل المسلسل الديمقراطي، الأطماع على غير أساس موضوعي و بغير الاستجابة للشروط التي تؤهل الأحزاب للظهور – كإطار سياسي يتمتع بالقدرة على ترجيح كفة الديمقراطية و التحفيز في خضم المنافسات الإيجابية على اختيار الطاقات القادرة على المضي بالبلاد نحو آفاق الدولة المتوازنة بإرسائها دعائم العدالة و الحفاظ على الخصوصية الدينية و التاريخية و الوحدة الوطنية – من صراعاتها المعهودة و المتجددة ما بين معارضة تسكن برجا عاجيا عاليا لا سبيل إليه وأغلبية في جراب السلطة تغلب على بعضها انتهازية مزمنة، يجعل الأمل في قيام ورشة تعنى بالبناء الوطني ضئيلا و ينذر بالمكوث طويلا في غياهب الجب و بأن الذي كان ما زال من سوء التسيير و ضعف الإدارة و انتشار الأمراض المقيضة بطبعها عملية التنمية و التقدم و المعروفة كالوساطة و الزبونية و الرشوة و الوساطة و المحسوبية و اللائحة تطول لتطل تنهش كيان الوطن و تلف مستقبل مواطنيه بالغموض المحبط والشكوك القاتلة.
و المؤلم حقا أنه في خضم أجواء ملوثة بنخب استرضائية، مجاملة، نرجسية و عديمة العطاء في الميدان كهذه يكون الأمل ضئيلا في رؤية تباشير ميلاد “النخبة” التي تأبى لهذه الأرض بالهوان و هي الغنية بما تحتضنه في باطنها من نفيس المعادن و ما تتميز به فوق سطحها من إمكانات زراعية و رعوية و ما تمتلكه من قدرات سياحية بأوجه تجمع ما بين الرمال الذهبية و الشطآن الحميمة والواحات الغناء و الحظائر المحمية و الغنية بطيورها المتنوعة و حيواناتها النادرة و بمدنها كذلك القديمة التي تفوح بعبق التاريخ و تأسر الألباب بسحر منطق أهلها و حسن ضيافتهم.
تعليقات 0