جريدة نبأ نيوز

رحلة في عمق ذاكرة مقربين اللحظات الأخيرة من حياة ملك شغل الدنيا ولم يقعدها

 

 

في بحث لجريدة نبأنيوز  وفي عمق ذاكرة مقربين من القصر للايام الأخيرة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وسردت القصة كالآتي :

ملك أعطى لدار المخزن مكانة تضاهي الملكيات العتيقة التي يُضرب بها المثل في قوة السلطة  وأصل لها ،واضعا أسلوب بروتوكولها الخاص الذي يحمل بصمة الحسن بن محمد بن يوسف، ملك جمع السلط في يده وخاض حروبا سياسية مفتوحة مع المعارضة، ونظمت ضده عدة محاولات انقلابية في البر والجو ونجا بأعجوبة، قدر له أن يعيش بعد انقلاب الصخيرات والطائرة الملكية أكثر من ربع قرن، بعد أن كان قاب قوسين من الموت أو أدنى، في انقلاب الصخيرات وجهت صوبه فوهة بندقية من جندي ينتمي إلى كتيبة اعبابو الانقلابية فأمره بطاعة ملكه فامتثل مقبلا يده، سنة بعدها ضُربت طائرته في الجو بشتى الأسلحة، تعطل محركان من محركاتها الثلاثة فيما تحطم الخزان التحتي وأصيب بدن الطائرة بالتواءات من جراء إطلاق قذائف من عيار 20 ملم، ونزلت البوينغ الملكية سالمة فوق مدرج مطار القنيطرة دون أن يصاب الملك بأذى، لقد شاؤوا وشاء الله أن يموت بشموخه المعتاد على فراشه وبين أهله، عاش الملك الراحل 70 سنة بانتصاراتها وانكساراتها، وقضى في الملك 38 سنة وقبل أن يودع دنيانا أثث لاستمرارية العرش العلوي بحكمة وذكاء، ضامنا انتقالا سلسا للسلطة إلى ابنه وولي عهده سيدي محمد..

في التسعينيات أطلق مسلسل المصالحة مع سنوات الرصاص وفي الرمق الأخير صاحب المعارضة وأنجز معها مسلسل التناوب التوافقي، وساعات قبل وفاته، دخل كعادته إلى رحاب قصره بالرباط وأمر بإكرام ضيوفه ووإطلاق الزرابي، ثم انتقل إلى مرقده ليلقي نظرة الوداع الأخيرة مستعيدا شريط ذكرياته، لم يهزمه المرض أبدا، ولم يستسلم أمام مشرط الطبيب إلا بعد أن أدرك أن أمر الله واقع، لم يكن يحب الأطباء ولا المصحات، ولم يتبع ضوابطهم المهنية الصارمة، وظل يدخن ساعات قليلة قبل أن يودع الدنيا، ونُقل على عجل إلى مستشفى ابن سينا هناك، وبنفس الكبرياء رفض الامتثال لطلب ممرضة، وحادث طبيبا بعيدا عن سبل الوقاية والعلاج، حيث تحركت إنسانيته وتواضعه، غادر الدنيا مقتنعا، وحضرت جنازته شخصيات من أرجاء الدنيا، ليعلن الخطيب « جنازة رجل » لكنه ليس رجلا عاديا إنه ملك استثنائي في زمن استثنائي، في هذا الملف نحاول كشف اللحظات الأخيرة من حياة الملك الحسن الثاني والتي ظلت سرا من الأسرار لا يعرفها إلا المقربون منه وبعض من حاشيته.
+++++++++++++++++++++++++
أسرار اللحظات الأخيرة من حياة ملك
أمريكا أول دولة تعلم بمرض الملك
ظلت العلاقة المغربية الأمريكية قوية كعادتها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، فالإيالة الشريفة وهذا إسم المغرب قبل الاستقلال كانت أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة في 4 يوليوز 1776، وتلك حظوة سهر كل رئيس أمريكي منتخب على الإفصاح عنها من باب مفاضلة المغرب على الدول العربية، لهذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الوجهات المفضلة للملك الراحل يقضي فيها أياما خارج برنامج العمل السياسي ومتحررا من البروتوكول الرسمي، وقبيل وفاته كان الملك يعاني من مضاعفات صحية نتيجة إصابته بمرض مزمن، وظلت تلك الأخبار سرية لا تنفذ إلى الشعب مخافة إثارة الفتنة أو القلق على مصير المملكة، وقد كتب المؤرخ عبد الله العروي في كتابه « المغرب والحسن الثاني » .. ( كنا نلاحظ جميعا مرض الحسن الثاني وتردنا أخبار من الخارج عن دنو رحيله وعن الفوضى التي ستعقب ذلك لكننا كنا نعلم أن هذه الأخبار لم تكن بريئة لذا لم نكن نعيرها اهتماما، وكنا قد اعتدنا على شحوب الملك ومشيته المترددة وغيابه المتكرر ومع ذلك فإن خبر وفاته نزل علينا كالصاعقة).
كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة علمت بمرض الملك، وحضرت بجدية لتفادي أي مفاجأة قد يخلقها غيابه، حدث ذلك في إقامة الحسن الثاني الفاخرة بنيويورك والتي تدعى « بلازار »، حين سقط مغشيا عليه، وتم نقله إلى مستشفى « نيويورك هوسبيتل » حيث تم تشخيص حالته الصحية بدقة، وتمت صياغة تقرير طبي ظل سريا، إلا عن البيت الأبيض، منذ تلك اللحظة حسب مصدرنا أولى المسؤولون الأمريكيون عناية خاصة للمغرب، حرصا على الانتقال السلس للسلطة وحفاظا على العلاقات التاريخية التي جمعت أمريكا وسلاطين المغرب، وهكذا حرص الرئيس الأمريكي بيل كلنتون رفقة ابنته شيلسي على أن يكون أول الحاضرين لجنازة الملك، كي لا يترك للصدفة طريقا للانقلاب على الملكية، خاصة مع تراكم تقارير الانقلابات العديدة التي فشلت في إسقاط الحسن الثاني أو حتى النيل من عزيمته.
+++++++++
العشاء الرسمي الأخير للحسن الثاني
قبل يومين على إعلان وفاته، كان الملك الراحل يطوف بأرجاء قصر الرباط، كان منهكا ويبدو على ملامحه التعب، فأراد تغيير « المنزلة »، كان يتبرم من المكوث في قصر الرباط، ويغادره بين الفينة والأخرى لقضاء أوقاته في قصر الصخيرات القريب، رغم ما خلفه ذلك الفضاء من ذكرى أليمة في نفسه، حيث فقد أقرب معاونيه في انقلاب 1971 الذي كان قصر الصخيرات مسرحا له، في يوم الأربعاء 21 يوليوز 1999 أخبر بوجود الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في إقامته بفندق هيلتون بالرباط، فأمر بتنظيم مأدبة عشاء على شرفه في القصر، حدد لائحة المدعوين إليه من رجالات الدولة، وفوجئ الساهرون على ذلك الحفل بقلة عددهم، حيث خصصت ثلاث موائد فقط، رغم أن ضيوف الملك من رؤساء الدول كان يخصص لهم استقبال مهيب يليق بهيبته الملكية، يحضره كبار المسؤولين في الدولة ومستشاروه وبعض الوجوه الحزبية وشخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى، اقتصر ذلك العشاء الأخير للحسن الثاني في حضرة رئيس دولة على بعض الوجوه المنتقاة بعناية خاصة، الثلاثي الناقل للسلطة العلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، والبصري وزير الداخلية، وعبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول، والمنقولة إليهم بشكل مباشر ولي العهد سيدي محمد والأمير مولاي رشيد الوصي على العرش إلى غاية أن يلد الملك الجديد إبنا ذكرا، وأكد مصدرنا معلقا على قلة العدد ونوعيته، بأن الحسن الثاني لم يترك وصية مكتوبة، جريا على عادة النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي ينتمي إليه الشرفاء العلويون، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) عندما توفي لم يترك وصية وإنما أعطى إشارات بليغة تلقفها أتباعه، وأولوها أهمية قصوى، لقد كان ذلك العشاء إشارات بليغة من الملك للمسؤولين المباشرين عن عقد البيعة، بضرورة الاستعداد لرحيله الوشيك والإشراف على انتقال العرش وفق ما جاء به الدستور وما تمليه إمارة المؤمنين، ولهذا خالف العلوي المدغري أندري أزولاي عندما قال هذا الأخير إن تطبيق الدستور وحده يعطي الشرعية لولي العهد أن يكون ملكا، حيث أجابه المدغري بأن السلطان هو ملك وأمير للمؤمنين والبيعة ضرورية للإمارة، فغلب رأيه وعقدت طقوس البيعة.
نظم العشاء الأخير وجلس الملك الحسن الثاني إلى طاولة الوزير الأول المعارض عبد الرحمان اليوسفي، ذكاء الملك الخاص منحه إشارة استقطاب المعارضة إلى الحكم كي يضمن انتقالا سلسا للسلطة، فقد ظل طيلة عهده يرفض توليهم لأمور الدولة، ومنحوا حقائب وزارية قليلة الأهمية وخلقت لهم عراقيل كثيرة عند ممارسة مهامهم، لكن الزمن والوضع تغير الآن فالملك الراحل كان يعلم بمرضه، واستعد للرحيل بحزم وعزيمة ورباطة جأش، وقد ثبت إلى آخر رمق وظل بهامة شامخة ولم يستسلم لهون الشيخوخة وسريان المرض، تودد في ذلك العشاء لليوسفي وأعد له حميته الخاصة، بل شاركه طعامه أيضا، فالراحل كان شديد الحرص على التقاليد المغربية الأصيلة، ويعمل بالحكم والأمثال القديمة، واشتراك الطعام في الموروث الشعبي يعتبر رميا بالعهود وتبادلا للثقة، وهذا يدل حسب مصدرنا على أن الملك كان متوجسا من المعارضة، لكنه تحالف معهم لمصلحة عليا، بعد ذلك أخذ ضيفه اليمني إلى الشاطئ غير مبال بنصائح الأطباء، كان سعيدا في تلك الليلة، حيث قضى رفقة عبد الله صالح وقتا طويلا وهما يتمشيان على طول الكورنيش، وعندما عاد إلى ضيوفه كان منشرحا، وقال لهم: « لقد حكى لي الرئيس اليمني ما قاله للرئيس الجزائري حول قضية الصحراء، وقد دافع عن موقفنا، كما لو كان مغربيا بل إني أعتبر الرئيس علي عبد الله صالح مغربيا ». في تلك الليلة اشتد المرض بالملك وبات يسعل إلى أن أمر بنقله إلى مصحة القصر حيث ستدور الأطوار الأخيرة من حياته.

الحسن الثاني يظهر قوة جأشه في الرمق الأخير
ولج الملك الحسن الثاني ساعات قبل دخوله إلى مستشفى ابن سينا قصر الرباط، وجد أهله وخدامه قلقين على صحته، فقد راج بينهم أنه سيدخل مصحة القصر على وجه الاستعجال، كانوا يحدقون في وجهه الشاحب لكنه ظل واقفا على أمور القصر كما كان من قبل، ممحصا في التفاصيل الدقيقة، وجد عمال الرصاصة منهمكين في عملهم، حيث كانوا يقومون بورش كبير قرب بيت الضيافة، فأمر بتوقيف الأشغال وتغطية أرضية الحديقة التي شهدت عمليات الحفر، وجلب العمال مسارح خشبية رُصفت فوقها الزرابي، لأن دخوله إلى المستشفى سيكون دافعا أمام وفود كثيرة للقدوم إلى القصر قصد الاطمئنان على صحته، ظل وفيا للجزئيات ثابتا لا تهزمه فرضية موته في المستشفى خاصة أن تقرير حالته الصحية كانت تبرز أنه دخل مرحلة حرجة، فأعد لكل شيء، أوصى خدامه بخدمة ضيوفه، وبأن يعدوا لهم الحلوى والمشروبات، ولا يتركوا أحدا منهم يدخل لعيادته في مصحة القصر، ثم توجه صوب محلته أي منزله ومكان نومه، وطاف في أرجائه وهو يلقي نظرة مودع، في سن السبعين وبمعاناته مع المرض، وفي ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة دفعته إلى الإعلان في إحدى خطبه الأخيرة أن « الخنشة تقبات » بما يعطي دلالة واضحة على وضعية البلاد، والطعنات التي تلقاها من هشام المنظري أحد الأشخاص الذين أحسن إليهم وقربهم إلى صفوته، وغيرها من المشاكل التي تحملها بعزم الملوك دفعة واحدة من غير شكوى، فقد كان الراحل شديد التكتم لا يتقاسم جزئياته مع الآخرين، ويقضي أغلب أوقاته منصتا إلى نفسه، في خلوة صوفية، فالملك تغير كثيرا بعد فشل انقلاب الصخيرات وبعده بسنة انقلاب الطائرة الملكية، ولم يعد يشاطر أحدا مسائله الشخصية بعد خيانة أوفقير له، هذا الأخير كان يحادث الملك على الهاتف في كل الأوقات ويستطيع أن يوقظه من النوم ليمازحه في أمور خاصة، لكن الضربات التي تلقاها الملك ونجا منها بأعجوبة قوت عزيمته، لقد أصر على أن لا يترك أي شيء للصدفة وهو يغادر إلى مصحة القصر، وجد طبيبه الخاص في انتظاره كشف عليه وطلب منه التوجه إلى مستشفى ابن سينا الذي يتوفر على تجهيزات التشخيص وغرفة للعمليات المفتوحة وطاقم طبي محترف ومتعدد التخصصات خاصة قسم الأمراض القلبية، فأُعلنت حالة الطوارئ في المستشفى الجامعي، أغلقت جميع منافذه، ومنعت الأطقم الطبية من المغادرة، وانتشر حراس الملك في جميع الأرجاء، لم يكن العاملون في المستشفى يدركون سر هذا التطويق الأمني إلا بعد أن حل الملك وتم نقله على وجه السرعة إلى جناح أمراض القلب، هناك ستجرى له الإسعافات الاستعجالية، حيث أخبر بضرورة إجراء عملية ضرورية، لكنه تردد لحظة طالبا رؤية ولي العهد سيدي محمد لتبليغه الوصية الشفوية الهامة جريا على عادة السلاطين العلويين، فما الذي دار بينهما في لحظة الوداع المؤثرة؟
الحسن الثاني
وصية الملك الشفوية ومفتاح الحكمة
ذكر مصدر موثوق أن الملك الحسن الثاني عندما دخل إلى مصحة بن سينا طلب إدخال سيدي محمد، كانت الوصية الشفوية إشارة بليغة لولي العهد بالتزام القواعد الأساسية لديمومة العرش، والحفاظ على وحدة الأمة وهويتها، والقيام بالواجبات الدينية التي تعطي الشرعية لملك البلاد كأمير للمؤمنين، دخل ولي العهد إلى سرير والده، قبل يده كالمعتاد ونفسه تفيض حزنا للحظة الفراق، فسيدي محمد كان على إطلاع تام على الحالة الصحية لوالده، كان الحسن الثاني من يرفض الخضوع للعلاج وأقدم في الأيام الأخيرة قبيل وفاته على التدخين بشراهة، لا يكاد يطفئ سيجارة حتى يشعل أخرى، إنه إيمان قدري خاص به، أعطاه قوة التحمل ونفسا لمواجهة لحظاته الأخيرة بشجاعة استثنائية.
في اللحظات الأخيرة لوفاة السلطان على ما نذكر كتب التاريخ كان ولي العهد ينحني على سرير الملك ليسمع الكلمات الأخيرة التي ينطق بها والده قبل وفاته، يأمره بالصبر ورباطة الجأش وأن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه ثم يخرج مفتاح دار المخزن ويناوله إياه، إنه المفتاح السحري للسيادة على دار المخزن، يعمل على فتح كل أبواب القصر، وقد صنع خصيصا لذلك الغرض، لأن كثرة المفاتيح يخشى ضياعها ووقوعها في أيادي عابثة أو غير أمينة، لذلك سعى إلى أن يقدم له رمز الحكمة ومشعل المسؤولية، وهو يدعوه إلى إغلاق كل أبواب دار المخزن وأن يحتفظ بالمفتاح معه، تحسبا لأي طارئ أو مفاجأة قد يخلفها غياب السلطان.
الآمر الناهي في القصر الذي يعد مدينة متكاملة الأرجاء بحدائقها وسجنها ومصحتها ومصانعها الصغيرة وحمامها وغيرها من المرافق الحيوية.. فهل هذا نفسه ما حدث بين ولي العهد والملك الراحل الحسن الثاني؟ هل شعر الملك بارتياح وهو يبلغ رسالته الأخيرة لولي عهده، خاضعا لإرادة الله ولمشرط الطبيب الذي كان يكرهه ويرفض الخضوع لسطوته؟ لكن كيف إذن قضى الملك الراحل سويعاته في المصحة قبل إعلان وفاته؟
+++++++++
الساعات الأخيرة من حياة ملك
مر الوقت رتيبا في مرافق مستشفى ابن سينا، العاملون والممرضات والأطباء في صمت مطبق ومظاهر الحزن بادية على الوجوه، حراس الملك وموظفو القصر ينتظرون خبرا لعله يكون سارا ينفذ من غرفة خاصة بمصحة القلب والشرايين حيث اجتمع ثلة من الأطباء المحترفين يتدارسون فيما بينهم موضوعا واحدا هو الفرص والحلول المتاحة أمامهم لإنقاذ صحة الحسن الثاني المهددة، كانت كل الاحتمالات واردة، وكان الملك في غرفته يحرك شفتيه خاضعا لقضاء الله وقدره، كان قد قضى 48 ساعة الأخيرة بمضاعفات صحية قاسية، لكنه تسلح بالصبر والثبات، جاء إلى قصره وأوصى خدامه بإكرام ضيوفه، ثم ألقى نظرة الوداع على جناحه وغرفة نومه، ومضى إلى المستشفى بقوة وعزيمة، ولم يعرف الاستسلام ولا الضعف طريقا إلى قلبه، إنه الحسن الثاني الشخصية الكاريزماتية القوية، الذي حكم المغرب بقبضة حديدية وأخضع المعارضة، وفشل الأعداء في إخضاعه أو إصابته بمكروه، رجل في السبعين من عمره حكم 38 سنة من عمره، ضمن استمرار الملكية وحافظ على وحدة المغرب وتماسكه، ولم يثنه المرض أو ينال من عزيمته شيئا، أعد كل شيء بنفسه قبل الرحيل، ولم يترك للصدفة أو المفاجأة منفذا، جمع أعداء البارحة وأتى بعبد الرحمان اليوسفي المحكوم غيابيا بالإعدام من منفاه بفرنسا ثم عقد معه اتفاقا يقضي بتغيير نمط السياسة التي كان يتحكم في خيوطها القصر والدخول في حكومة التناوب التوافقي، لا تهم التسميات ولا الجهات المتنافسة المهم أن يستمر المغرب بملكيته ووحدته قويا كما كان على عهده.
ابتسم في وجه أحد الدكاترة في خلية وحدة القلب والشرايين الذي أتى للكشف عنه، دار بينهما حوار قصير بعيد كليا عن المرض وسبل العلاج، سأله الملك: هل تجد الوقت لتوفق بين عملك والتزاماتك الأسرية؟ فرد الطبيب: شي شويا أسيدنا…كان حوارا هامشيا وقصيرا، سل خاتمه الذي لم يغادر أصابعه وأكسسواراته الأخرى ووضعها جانبا، كان الجو كئيبا في الخارج، وفي داخل القصر ظلت قلوب أهله وأقاربه وخدمه قلقة متوثبة، لقد مضت ليلة صعبة، ومضى العارفون بخبر نقل الملك إلى ابن سينا قصد الاستشفاء إلى صلاة الجمعة وقلوبهم تلهج بالدعاء للملك بالشفاء والعودة سالما معافى إلى مهامه وأهله، وما هي إلا ساعات حتى دوت صرخة امرأة في فضاء المستشفى، لقد فارق الملك الحياة على الساعة الرابعة والنصف من زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 ، أذاعت التلفزة المغربية بلاغاً نقلته وكالات الأنباء العالمية أن الملك الحسن الثاني قد نقل إلى مستشفى ابن سينا في الرباط إثر وقوع التهاب حاد في رئته، وبعد قليل بدأت التلفزة تذيع تلاوة للقرآن الكريم، ثم ما لبثت أن أعلنت نبأ وفاة الملك الحسن الثاني، « إنا لله وإنا إليه راجعون »
+++++++++++
جنازة رجل
« سأبوح لكم بأمر لقد أدركت كل شيء في اليوم الأول لاعتلائي العرش، عندما ذهبنا لصلاة الجنازة على جثمان والدي رحمه الله فنادى الإمام لصلاة الجنازة، صلاة جنازة يرحمكم الله « جنازة رجل »، وكان هناك حوالي مليوني شخص بالشوارع، وقد انتحر بعض المواطنين عندما شاهدوا جثمان والدي، وكانت عبارة « صلاة الجنازة يرحمكم الله، جنازة رجل » أكبر درس في التواضع تلقيته في حياتي »، يلخص هذا المقتطف من حديث الملك الحسن الثاني في كتاب « ذاكرة ملك » أن الموت هو قمة المساواة بين الخلائق مهما علا شأنهم أو صغر، ردد خطيب مسجد حسان بالرباط ذات اللازمة أثناء صلاة الجنازة على جثمان الملك المسجى أمامه « جنازة رجل يرحمكم الله »، كانت وفود الرؤساء قد حلت من بقاع العالم إلى قصر الرباط لتعزية الملك الجديد، ينتظرون خروج الجنازة، في تلك اللحظات وفي قبة البخاري داخل القصر مدد جسد الحسن الثاني لتغسيله وتكفينه، بعد الانتهاء من العملية وضع في صندوق خشبي صنعته شركة متخصصة في صناعة التوابيت ودفن الأموات يوجد فرع لها بشارع مصر بالرباط، صرح لنا أحد العاملين بالشركة أشرف بنفسه على صناعة الصندوق الخشبي الذي أقل جثمان الملك، أنه أحس برعشة غريبة انتابته لحظة علمه بأن الصندوق الذي صنعه بعناية ودقة فائقة ليحمل جثمان إحدى الشخصيات الكبيرة كما أخبرته إدارة الشركة.
وحين حمل الراحل الحسن الثاني إلى مثواه الأخير، لم يتمالك نفسه ونزل إلى الشارع العام لإلقاء النظرة الأخيرة على نعش الملك وسط الحشود الغفيرة من المواطنين الذين خرجوا للتعبير عن حزنهم، عويل وإغماءات في صفوف النساء وتدافع شديد بين المواطنين لإلقاء النظرة الأخيرة على ملك المغرب، كان انتقال العرش قد مر بشكل سلس ساعات على إعلان موت الملك، فعلى الساعة العاشرة ليلا من يوم الوفاة أمضى على وثيقة البيعة الأمير مولاي رشيد تبعه الأمير مولاي هشام وبعده أخوه الأمير مولاي إسماعيل، ثم أمضى الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي وتبعه أعضاء الحكومة..لقد انتهى فصل ملكي وبدا آخر « مات الملك عاش الملك » وتستمر الملكية..