حراك الريف بمفهوم” الحق يؤخد ولايعطى “أكد أن لا الخطابات الرسمية الرنانة و لا الوعود الوهمية و لا الخرجات الحزبية ،بإمكانها إيصال صوت الشعب إلى المعنيين بالأمر
بعد أن حطت طائرة وزراء حكومة العثماني بمدينة الحسيمة بدون بروتوكول وبدون رسميات بأمر من جلالة الملك حامي الملة والدين، وتأتي هذه المهمة، على رأس المبادئ الكبرى، المعروفة عند الفقهاء بكليات الشرع، وهي حماية الدين والنفس والعقل والمال والعرض،
اتضح أنه ،مهما تعددت تسميات و أوصاف، ما أقدم القيام به سكان الريف المغربي ،الذين أرادوا حقا ،كباقي إخوانهم و أخواتهم في المغرب، الكرامة و العدالة و التوزيع المتكافئ للثروة ..، فالمهم و الأهم ،هو أن تلكم الجماهير الريفية ، قد تحقق لها شرف الدخول إلى التاريخ من بابه الذهبي ، الذي لا يدخله إلا الأشاوس، بعدما رفعوا رؤوسهم شامخة ، و قالوا ” لا ” لسياسات المخزن المغدقة على أفراد و مناطق دون سواها في مغرب، يشعرُ فيه الملايين من سكانه، بأنه ليس مغرب الجميع.
س
الريفيون و الريفيات ،الذين تخلصوا من هاجس الرهبة من القمع ، بثوا روح الثقة في نفوس إخوان لهم في جهات أخرى المنهوكين بسياسات التحبيط و التخويف، كون أن أمال المطالبة بالحق و الخروج إلى الشارع من أجله ، تظل حاضرة و فعالة ، فلا هي الخطابات الرسمية الرنانة و لا الوعود الوهمية و لا الخرجات الحزبية ،بإمكانها إيصال صوت الشعب إلى المعنيين بالأمر..
جماهير ريف المغرب، التي جعلت الليل ينجلي، بعد طردِها لـظلام الخطاب الحزبي و الإعلام الرسمي و شبيهه الجبان ، هشمت بشجاعة منقطعة النظير، مفاهيما عديدة، على صخور الحقيقة الصارخة.. فلطالما أتخمتنا و حذرتنا أبواق ’أسيادنا’، بأن الشعب مفهوم هُلامي مفكك يلُفه الغموض، لا يمكنه بأي حال من الأحوال، أن يبدأ هو بالمبادرة إلى التغيير، سوى بعد تَتبَنى أحزابه المعترف بها المشرية، و نقاباته المدجنة، و مجتمعه المدني البلطجي،و صحافته البكماء، لجميع قضاياه وطموحاته، و إلا سيكون مصير كامل ربوع الوطن، الفوضى العارمة و “الفتنة”.
موطنوا الريف المغربي ، أدحض تلك الفكرة التي صالت و جالت، حتى صارت تُلقى من على المنابر، والتي مفادها ’’ أنه كما تكونوا، يُولى عليكم ’’…
فهل كان الريفيون و المغاربة فاسدين، حتى يتولى أمرهم فاسدون مُفسدون؟..
و هل كان شابات و شباب المغرب وريفه ، عبارة عن مجموعة عصابات ، حتى تتربع عائلات و مجموعات، بغير موجب حق على مقدرات البلد و تستولي على ثرواته و أمواله ؟.
و هل كان رجال و نساء الريف المغربي، خونة ، لا يؤمنون بحب وطنهم ، كأولئك الذين دؤبوا على تنفيذ جرائم تهريب المزانيات إلى بنوك عالمية و ملاذات أمنة ، و ضخ الملايير منها في أدغال إفريقيا و صحاريها، دون رادع و معترض؟.
الريفيون المغاربة و مناصريهم من باقي ربوع المغرب الواحد ، حفظهم الله من كل سوء، أزالوا اللثام عن مفارقة ظريفة ، و هي أن الناس اللذين كانوا يخرجون عن بكرة أبيهم، ليصطفوا على قارعة الطرقات و الشوارع، ليستقبلوا مرور سيدهم ، مشيرين له بأياديهم ، هم ذات الناس اللذين هبوا هبة رجل واحد و بمطلب واضح ” نريد حقوقنا و رفع الظلم عنا”، فأي المشاعر الشعبية هي الصادقة إتجاه الحاكم ،أهي الإستقبالات المُبرمجة على جنبات الأرصفة، أم أصوات الجماهير الغاضبة وسط الطرقات العامرة؟.
المغاربة الأحرار في الريف و باقي الجهات، أكدوا للجميع بأن ما يسمى بالأحزاب السياسية، التي لا تتوانى عن دعم بيادقها في كل المحطات الأنتخابية ،و التي لا تخجل من كونها لا ترقى إلى مستوى الجماهير الشعبية في أفاقها و أحلامها ،أحزاب سرعان ما تُلقي بشعاراتها في دورات المياه، كما تُلقى الفضلات، حينما يقول الشعب كلمته الفاصلة، ليُنهي بذلك صلاحية و مشروعية الدكاكين الحزبية .
الجماهير الريفية برهنت ، ولها ملايين تحايا، أن سياسات تمييع الشباب و تسفيه عقله، ببرامج و بمحاولات جعْل الهجرة والمودا والمخذرات و سعد لمجرد و موازين و الكرة.. من أولوياته، و من مميزات شخصيته، كلها خطط مألها الفشل الذريع ، أمام سد مُمناعة مدهشة ، لشباب مثقف ، صامد، واعي، مؤمن بقيمه و قضاياه الوطنية، يظل طوال سنوات الإستبداد في تحصن و نباهة ، ظل كالجمر الملتهب تحت الرماد، إنتظر حتى حان الوقت المناسب للتوَهج، ثم كَوى المغتصبين للسلطة و الثروة في بلده ، بحراك و مسيرة مذهلة .
حراك الريف و مسيرته الخالدة ، أجهضت جميع شبهات التي كانت قطعان البلطجية الحزبية والصحافية المغربية، تعمل على إلصاقها بنقاء الحراك، كالخيانة و الإنفصال و العمالة لجهات خارجية و العداء لرموز المملكة و محاولات نهج خيار العنف و عدم التحضر…
و هنيئا كذلك للريفيين اللذين برعوا في توظيف التقنية المعلوماتية و التكنولوجيا الإعلامية الحديثة ، في إجتياز التعتيم، و إمداد حراكهم المجيد بوقود الإستمرارية و الإشعاع العالمي ، و ألف ألف مبروك لهم أيضا، كونهم أضافوا إلى الجهات الحاكمة ، سببا أخر، يجعلهم ربما يراجعون عبره أنفسهم أولا ، و معها سياساتهم المعتمدة في تسيير دفة الحكم، منها الإعلامية و السياسية و الأقتصادية و الحقوقية، فليسوا وحدهم يعيشون على أرض و ثروة هذا المغرب، بل هناك شعب كذلك هو الأولى بالعناية و الإهتمام .
تعليقات 0