جريدة نبأ نيوز

ملاحظات حول مشروع القانون رقم 33.17 والذي يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض

بقلم ذ محـمد طارق

أستاذ التنظيم القضائي بكلية الحقوق المـحمدية

تقديم

خلال العشر سنوات الأخيرة يسجل ارتفع الطلب الاجتماعي والسياسي والمدني على موضوع إصلاح منظومة العدالة، وهو ما حاولت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 الاستجابة له عبر تنظيمها لمقتضيات دستورية مرتبطة بضمان استقلالية السلطة القضائية[1]، وما واكب ذلك من أطلاق مسلسل الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة[2]، وما عرفته الولاية التشريعية السابقة من مشاريع قوانين تنظيمية وعادية، وما صاحبها من نقاش وتجاذب بين وزارة العدل والحريات ومختلف مكونات المجتمع المدني والهيئات المهنية المعنية بإصلاح منظومة العدالة، حيث على امتداد ستة سنوات تم إصدار القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للسلطة القضائية، وما زال مسلسل إصلاح منظومة العدالة ينتظر مناقشة ومصادقة مجلس المستشارين لمشروع قانون رقم 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي.
وفي هذا السياق تم إحالة مشروع  القانون رقم 33.17 على البرلمان والذي يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وتم تحديد أجل المصادقة عليه داخل خلال هذه الدورة البرلمانية، من أجل أن يدخل حيز التطبيق ابتداء من 07 اكتوبر 2017. وهو مشروع مرفق بمذكرة تقديمية موقعة من طرف وزير العدل والحريات تتضمن الأسس القانونية لإصدار هذا المشروع، بالإضافة إلى مبرر إحداث مؤسسة رئاسة النيابة العامة وما يتطلب ذلك من توفير لإمكانيات المادية والبشرية لهذه المؤسسة، كما تشتمل المذكرة التقديمية استعراض وتلخيص لأبرز مضامين القانون، بالإضافة إلى نص المشروع  المكون من عشرة مواد، غير مبوبة ( باستثناء عناوين موزعة بين المواد).
وبما أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أصبح رئيسا للنيابة العامة بناء على الدستور والقوانين التنظيمية ذات الصلة، على مستوى الإشراف على النيابة العامة وعلى قضاتها ومراقبة عملها وممارسة الدعوى العمومية والسهر على حسن سير الدعاوى وممارسة الطعون المتعلقة بها، ولما لكل هذه الصلاحيات من أثر على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنات والمواطنين، فإن مشروع القانون 33.17 يجب أن يحظى بالدراسة والتحليل اللازمين لضمان عدم زيغ هذه المؤسسة عن أدوارها القانونية داخل فلسفة دستورية تنطلق من ضمان الحقوق والحريات، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فما هو سياق إعداد مشروع القانون رقم 33.17 ؟ وما هي الملاحظات التي يثيرها مشروع القانون من حيث الشكل والموضوع؟ وما هي ابرز الخلاصات ؟


أولا: سياق اعدد مشروع القانون 33.17
جاء مشروع القانون رقم 33.17  بناء على تعليمات الملك خلال المجلس الوزاري  المنعقد في الدار البيضاء بتاريخ 25 يونيو 2017، للحكومة بالإسراع بعرض مشروع القانون المتعلق بـ”اختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها”، على البرلمان، قصد المصادقة عليه خلال الدورة التشريعية الحالية، في إطار تعزيز استقلال السلطة القضائية، وبعد 5 أيام تم برمجة مشروع القانون  33.17 في جدول إعمال المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 29 يونيو 2017  والذي صادق عليه، لتتم إحالته على مجلس النواب بتاريخ الثلاثاء 4 يوليوز 2017 من اجل المناقشة والمصادقة[3]، وتم تقديمه وعرضه من طرف وزير العدل والحريات أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بتاريخ الخميس 6 يوليوز 2017.

ثانيا: ملاحظات من حيث الشكل على مشروع القانون رقم 33.17:
1. مراسلة الأمانة العامة بخصوص مشروع قانون رقم 33.17 المتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها، بدون رقم وبدون تاريخ، بما يطرح فرضية الإعداد المتسرع لمشروع القانون داخل اجل خمسة أيام من تاريخ اجتماع المجلس الوزاري، وهذا ما انعكس على جودة التشريع والصياغة.
2. مذكرة تقديمية تحيل على ضعف في التأسيس المعياري لضرورة إخراج هذا القانون سواء في علاقة بالدستور أو القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة،، حيث أن المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 1ّ06.13 التي تستند عليها المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 33.17، لا تشير إلى ضرورة إصدار قانون لم ينص على ضرورة إصدار قانون يتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها. كما أن الظهير الشريف رقم 1.17.10 الصادر في 5 رجب 1438 ( 3 ابريل 2017) بتعيين الوكيل العام للملك الحالي لا يحيل أو يشير لا صراحة ولا ضمن إلى ضرورة إصدار قانون يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة.
4. مشروع قانون خارج سياق التصور المعياري الناظم لإصلاح العدالة وتعزيز استقلال السلطة القضائية،حيث لا تنص عليه الوثيقة الدستورية لسنة 2011، ولا مخرجات الحوار الوطني لإصلاح العدالة، ولا القوانين التنظيمية ذات الصلة ( القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية / القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة)، كما أن  مشروع القانون 33.17 لم ترد الإشارة إليه أصلا في المخطط التشريعي للحكومة.
5. وجود عناوين موزعة بين مواد المشروع بدون أن تحمل معنى أو تقسيم قانونينا واضحا ( أحكام عامة / اختصاصات رئاسة النيابة العامة / تنظيم رئاسة النيابة العامة / أحكام ختامية ).

ثالثا: ملاحظات من حيث الموضوع على مشروع القانون 33.17:
1.  المادة الأولي من المشروع / تأويل غير واضح لمقاضيات المادة  25 من القانون التنظيمي رقم 106.13  المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة:  والتي يعتبرها مشروع القانون سند قانونيا لإصدار القانون رقم 33.17، فهي  مجرد إعادة كتابة لمنطوق المادة 25 من القانون التنظيمي، كما يظهر أنها لا تتضمن إحالة صريحة على إصدار قانون يتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها، كما لا يمكن تحميلها أي إحالة ضمنية على ضرورة إصدار هذا القانون، فوق منطوق المادة 25 من القانون التنظيمي يظهر بوضوح أن قضاة النيابة العامة يوضعون تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين، وبالتالي لا يمكن تحميل المادة 25 أكثر من منطوقها الصريح والواضح.
2. المادة الثانية من المشروع إعادة لمقتضيات المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 106.13  في مجال اختصاصات رئاسة النيابة العامة : المتمثلة في حلول الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض محل وزير العدل في ممارسة اختصاصاته في الإشراف على النيابة العامة وعلى قضاتها، كما ان المادة الثانلثة من المشروع لم تضف جيدد على مستوى الاختصاصات القانونية لرئيس النيابة العامة، والتي تنظمها فصول المسطرة الجنائية.
3. المادة الثالثة من مشروع القانون، تحيل على المادة 80 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتعيد حرفيا كتابة منطوقها: في الوقت الذي تكفي فيه الإحالة فقط، بالإضافة إلى أن هذه المادة يمكن تجاوزها بشكل عام لأنها تعيد فقط تذكيرنا باختصاصات رئيس النيابة العامة في مجال انتداب القضاة، ومنطقيا بما أن سلطة إشراف وزير العدل في مجال رئاسة النيابة العامة انتقلت إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض فهذا الانتقال يشمل كذلك سلطة الوزير في مجلا انتداب قضاة النيابة العامة والتي تشير اليها المادة 80 المحال عليها.
4. الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مشروع القانون، تسحب اختصاص التشريع من السلطة التشريعية وتسنده إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض: وخطورة هذه المادة هي أنها تجعل من موضوع مشروع القانون ( أي اختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها) مجالا لقرار تنظيمي يعده الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ويعرضه على تأشير السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وهذا ما يطرح سؤال حول الغاية من اصدار هذا القانون أصلا؟
5.  المواد 4 و5 و6 و 7 من المشروع تمنحها  الاستقلال المالي والإداري لمؤسسة النيابة العامة خارج أي بدون سند دستوري وقانوني: في الوقت الذي  أسنده القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية صفة الاستقلال المالي والإداري والتمتع بالشخصية الاعتبارية  لهذا المجلس بصريح العبارة بناء على منطوق الفصل 116 من الدستور والمادة 5 من القانون التنظيمي، وهو الامر الذي يقتضي تخصيص القانون التنظيمي بميزانية خاصة في قانون المالية و لم يعط هذا الأمر  للوكيل العام لمحكمة النقض، كما أن الآمر بالصرف لهذه الميزانية هو الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و بالتالي فتخصيص الوكيل العام لمحكمة النقض بصلاحيات جديدة في مشروع القانون الجديد أمر مخالف للدستور وللقوانين التنظيمية التي جاءت تطبيقاً لمقتضيات استقلالية السلطة القضائية في الدستور.
6. المادة  الثامنة من مشروع القانون إعادة كتابة لمنطوق المادة 50 من القانون التنظيمي رقم 100.13 بعد الإحالة عليه في مشروع القانون: تلزم  المادة الثامنة من المشروع جميع العاملين بمختلف مصالح النيابة العامة ورئاستها بالتقيد بواجب كتمان السر المهني. وهو نفس الالتزام الذي تمت الإشارة إليه صراحة في الفقرة الأخيرة من المادة 50 من القانون التنظيمي رقم 100.13 والتي تحيل عليها المادة 5 من هذا المشروع، وبالتالي فمنطق التشريع يقتضي الإحالة مرة واحدة على القانون التنظيمي.

رابعا: خلاصة أولية على مشروع القانون رقم 33.17:
1. الفصل 25 من القانون التنظيم رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، يعتبر كافيا لنقل سلطة مراقبة قضاة النيابة العامة من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض .
2. مشروع قانون بدون سند دستوري ولا قانوني؛
2. مشروع القانون ينشأ مؤسسة قضائية جديدة لم ينص عليها الدستور ولا القوانين التنظيمية المتعلقة بالقضاء، وهي مؤسسة الوكيل العام لدى محكمة النقض، وليس قانوناً للنيابة العامة.
3. مشروع قانون ينزاح عن المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث يعمل على تركز سلطة رئاسة النيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، خارج منطق الرقابة وبعيدا عن سلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
4. مشروع القانون يسند اختصاصات جديدة  للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لم تنص عليها  الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية ذات الصلة، وخصوصا على مستوى منح استقلال مالي وإداري لمؤسسة النيابة العامة، وما يرتبط به من تخصيص اعتماد مالي لرئاسة النيابة العامة في الميزانية العامة للدولة، واعتبار الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الآمر بالصرف.
5. أن ضمان استقلال النيابة العامة يجب أن يكون داخل منطق الوثيقة الدستورية المبني على فصل السلط وعلى التحديد الدقيق لسلطات واختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، كما يمر بالضرورة عبر تعديل منطوق المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية في ما يخص اختصاصات وزير العدل في مجال تنفيذ السياسة الجنائية عبر الوكلاء العامين للملك.
  



[1]  من الفصل 107 الى الفصل 128 من دستور فاتح يوليوز 2011.

[2]  رغم ما يسجل عليه من مواقف متباينة من طرف المعنيين بورش اصلاح العدالة، بين منخرط في مسلسل الحوار الوطني، ومقاطع لمنهجيته ومخرجاته.

[3]  يظهر أن مسودة مشروع القانون 33.17 التي أرسلها الأمين العام للحكومة إلى السيد وزير الدولة والسادة الوزراء والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة، قد عرف بعض التعديلات الطفيفة تفاعلا مع النقاش الذي أثارته الصيغة الأولى ( صيغة المجلس الحكومي)، على مستوى تغيير عنوان مشروع القانون من مشروع قانون يتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها، إلى مشروع قانون يتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وتقليص مواده من 11 مادة الى 10 مواد، عبر حذف المادة الأولى من مشروع ( مجلس الحكومة) والتي كانت تعيد فقد التذكير بعنوان المشروع.