لست متشائما بطبعي… لكن كل القرائن توحي بأننا ماضون نحو الهاوية… إلا إذا حدثت معجزة.
عندما تخلت الأسرة عن احتضان أبنائها وتربيتهم، وصار الآباء لا يجالسون أبناءهم داخل البيوت أصبحت الأخيرة تبدو موحشة وبعيدة عن الألفة والحميمية…
عندما تحولت دور الشباب والنوادي الثقافية إلى قاعات مهجورة صيفا وشتاء، وبات أصحاب النوادي والجمعيات لا يبحثون سوى عن إثراء أرصدتهم البنكية…
عندما فقدت المدرسة جاذبيتها، وتحولت حجراتها إلى ما يشبه زنازن تقوم بمهمة حشر اليافعين والمراهقين بلا طموح ولا رغبة…
عندما باتت حبوب الهلوسة والمخدرات الرخيصة تباع فوق الأرصفة كما تباع الحلوى للأطفال دون ناه ولا منته…
عندما صار فعل القراءة والتثقيف الذاتي سلوكا شاذا، وغطى غبار كثيف واجهات الكتب، وتعلقنا إلى حد الإدمان بالتفاهات.
عندما أصبحنا نحتقر الناجحين ونحتفي بالفاشلين، ونسمي الهزيمة بطولة، والحياء غباوة، والاحترام عقدة، والبلادة مفخرة، والقبح جمالا، والتربية السوية تخلفا…
عندما أصبح الشارع غابة تأوي الضباع والذئاب المفترسة، يتباهى فيها المراهقون والمعقدون بتسريحات شعرهم وتمزقات سراويلهم وحجم سيوفهم ومغامراتهم الجنسية…
عندما تخلى إعلامنا عن واجبه، وبات يطبل حتى النخاع لخطاب “قولوا عام زين”، وفتح المجال لقنوات البترودولار لتخدير عقولنا بخطاب الكراهية والحقد والسجلات العقيمة، ووصف العمليات الإرهابية بالعمليات “الاستشهادية” و”الجهادية”…
عندما “تمخزنت” بيوت الله، وأحكمت الداخلية قبضتها على أئمتها وخطبائها، وبات كل محظور مرغوبا فيه، فحل الفكر الوهابي الظلامي محل دين الفطرة والرحمة…
عندما احتفت الدولة بالتفاهة، وأضحت تصرف الملايير على مهرجانات مائعة ورديئة، وتهمش كل ما هو فني وثقافي رصين، وتكرم التافهين وأشباه الفنانين والمراهقين بأوسمة سامية…
عندما استشرى الفساد، وطغى الظلم، وبات البعض يقنعنا بأن “المغرب أجمل بلد في العالم”…
أمام كل هذا وذاك، لا يمكن انتظار سوى هذه النتائج الكارثية التي وصلنا إليها… فلا “حسد” إذا صرنا نتصدر العالم في تصدير الإرهابيين، وأصبحنا نتذيل ترتيب العالم في جودة التربية والتعليم، وصرنا نحطم الأرقام القياسية في حوادث السير والتهور وطول التحقيقات في القضايا المصيرية، وباتت شوارعنا في قبضة قطاع الطرق وغارقة في دماء الجريمة، وصارت الغرائز الحيوانية تحكم تصرفاتنا اليومية، وبات الفساد يجثم على قلوبنا في كل كبيرة وصغيرة… وبعد، هل من مزيد؟!
لست متشائما بطبعي… لكن كل القرائن توحي بأننا ماضون نحو الهاوية… إلا إذا حدثت معجزة.
تعليقات 0