جريدة نبأ نيوز

إتهامات ونشر للغسيل بين السياسي والصحفي ،فكيف يمكن تدبير هذا السوء الفهم العادي والطبيعي؟

إنحصرت العلاقة بين الصحفي والسياسي بين التوتر والفتور والرشق بالكلام النابي وتبادل الاتهامات والمغالطات ونشر الغسيل ، فكيف يمكن تدبير هذا السوء الفهم العادي والطبيعي؟

إن جوانب الخطورة في العلاقة بين الصحفي والسياسي، هي علاقة بقيت تعاني من حالات التشكك والإصطراع والإضطراب في كل الأزمنة والعصور، ولم يتوقف هذا الاستهداف منذ ان بزغ فجر الثقافة، وكيف حاول أباطرة وملوك الدنيا وسياسيي ، التقرب من المبدعين الصحافيين الكبار في الثقافة والادب في محاولة لإستلاب دورهم مرة، وفي أخرى لإستغلالهم في أبواق الدعاية لهذا المنتخب أو ذلك، لمن أرتضى (البعض) أن يقبل بتلك المهمة تحت ضغط العوز المادي وجدب الحياة.

ولم تتوقف حالات التشكيك والإصطراع والاضطراب وحتى (المساومات) التي حاول سياسيون كثر إستخدامها مع بعض الصحافيين المثقفين الكبار حتى وقتنا الحاضر في محاولة لإستمالتهم الى جانبهم، لكن هناك مؤشرات تحليلية معمقة، لكيفية الخلاص من تلك الإشكالية في العلاقة بينهما، وحالة الاضطراب التي بقيت سائدة على مدى عصور!،

فالصحفي على عكس السياسي، يريد إخراج الأسرار إلى الرأي العام تبعاً لوظيفته الإخبارية الرقابية،لا يمكن للصحافي أن يحيى إلا بوجود السياسي، ولا يمكن للسياسي أن يحي إلا بوجود الصحافي، ولا عيب في التقارب ولا في التباعد.

ولو تأملنا من منضوري الشخصي من علاقة متشككة بين الصحفي والسياسي، لوجدنا أن هناك جدرانا من العزلة والافتراق بين المفهومين (الصحافي والسياسي) تكاد خيوط العلاقة تفترق على أكثر من صعيد.

لكن اللقاء الوحيد بينهما ربما من وجهة نظري، هو عندما يتخلى الصحافي عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي أو يقترب منه أو يلمع صورته، لكي يحصل على مبتغاه، في ان يكون له ما يريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر ويبقى السؤال من المسؤول، أهو الصحافي الذي تنكر لدوره، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر؟

إن الصحافة للسياسي قوة، والسياسة للصحفي ضعف”ذلك أن السياسي من وجهة نظره رجل ذو برنامج، ويطمح لهدف محدد، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره”.

ويتضح لي أن شكل العلاقة بين الصحفي والسياسي كالآتي: بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة الصحفي وانتصار السياسي ،لأن طبيعة المهمة الملقاة على عاتق الصحفي ودوره الحضاري والانساني ،تبقى في أن الصحفي معني بالحياة، باحث عن المعلومة عن المعنى، مهموم بالجمال، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه، ومتى ما وافق على ذلك، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره.

ومن هنا يطلب من الصحفي أن يكون بوقا لهذا السياسي أو ذاك، ويطلب منه منح هالات التضحية والشجاعة والنبوغ لسياسيين لا يجيدون سوى حساب ارباحهم أو خسائرهم، ويطلب منه أن يكون مدافعا عن طائفة صنع القدر انتماءه لها، والحقيقة هي استغلال الطائفة لمصلحة سياسيين يستغفلون جمهورهم.

وفي كثير من الحالات، يخضع الصحفي للابتزاز، بل يحاول أن يشرعنه بحثا عن انسجام مفقود أو تخدير لضمير. وفي حالات أخرى تكون السلبية والابتعاد عن الهم العام هي ما يميز موقفه، أما المثقف المعارض فما أسهل النيل منه، وتلك لعبة يتسلى بها السياسيون.

ولهذا فعلاقة السياسة بالصحافة ستظل متوترة، لأمور تتعلق بطبيعة النشأة، خاصة وأن “السياسي يعتبر الصحفي رجل دعاية، وأنه لا يمكنه أن يخرج عن تصوراته، وأهدافه، ورغباته”.

والحل في نظري هو التضخية من أجل الجميع والبحث عن خلاص لا يأتي إلا عبر الصدق الذي يسبقه الاحساس، أعلم جيدا أنني أدعو الصحفي المبدع والمثقف إلى مكابدة الألم فالصدق والإحساس أصبحا للأسف الشديد مرادفين للحزن والمعاناة :
“ما من عظيم، أو نبي، أو مصلح، أو صاحب نظرية، أو مبدع كبير، إلا وكان الألم رفيق دربه. فالإبداع لا يبنى على السهولة والتطابق، وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها”.